كلّ كافر» (١). قوله (ما أكفره) تعجيب بمعنى التوبيخ ، يقال : أيّ شيء حمله على الكفر مع وضوح الدلائل على وحدانيّة الله ، فتعجّبوا من كفره. وأما الله تعالى فلا يجوز أن يتعجّب من شيء لكونه عالما لم يزل. قوله تعالى : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) (١٨) ؛ معنى الآية : ما أشدّ كفره بالله ، اعجبوا أنتم من كفره.
ثم بيّن من أمره ما كان ينبغي معه أن يعلم أنّ الله خالقه ، فقال تعالى : (مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ) ، لفظ استفهام ، ومعناه : التقرير ، ثم فسّر ذلك فقال تعالى : (مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ ؛) أي من ماء مهين حقير خلقه فصوّره في رحم أمّه على الاستواء باليدين والرّجلين وسائر الأعضاء ، (فَقَدَّرَهُ) (١٩) ؛ على ما يشاء من خلقه طويلا أو قصيرا ؛ ذميما أو حسنا ؛ ذكرا أو أنثى ؛ شقيّا أو سعيدا ، وغير ذلك من الأوصاف.
قوله تعالى : (ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ) (٢٠) ؛ قال السديّ ومقاتل : «أخرجه من الرّحم وهداه إلى الخروج من بطن أمّه» (٢). قال مجاهد : «ثمّ يسّر له سبيل الدّين ، ومكّنه من سلوكه».
قوله تعالى : (ثُمَّ أَماتَهُ فَأَقْبَرَهُ) (٢١) ؛ أي أماته عند انقضاء أجله ، وجعل له قبرا يوارى فيه ، أمر عباده أن يواروه ، ولم يجعله ممّن يلقى على الأرض كما تلقى البهائم ، ثم أكرمه الله بذلك ، يقال : أقبرت فلانا إذا جعلت له قبرا يدفن فيه ، وقبرته إذا دفنته ، والقابر الدافن. قوله تعالى : (ثُمَّ إِذا شاءَ أَنْشَرَهُ) (٢٢) ؛ أي إذا شاء بعثه ، وأحياه بعد الموت.
قوله تعالى : (كَلَّا لَمَّا يَقْضِ ما أَمَرَهُ) (٢٣) ؛ أي حقّا لم يقض ما أمره الله به ، ولم يؤدّ حقّه مع كمال نعمة الله عليه. ثم ذكر رزقه ليعتبر ، فقال تعالى : (فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسانُ إِلى طَعامِهِ) (٢٤) ؛ أي ليتأمّل الكافر في طعامه كيف خلقه
__________________
(١) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٥٢.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨١٦٣) عن السدي. وقاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٥٣.