قوله تعالى : (قُلُوبٌ يَوْمَئِذٍ واجِفَةٌ) (٨) ؛ أي مضطربة قلقة لما عاينت من أهوال يوم القيامة. قيل : أراد بها قلوب الكفّار. والوجيف : اضطراب القلب ، وقال مجاهد : «معنى واجفة : وجلة» ، وقال السديّ : «زائلة عن أماكنها». وقيل : غير هادئة ولا ساكنة ، وقال أبو عمرو : «مرتكضة» (١).
قوله تعالى : (أَبْصارُها خاشِعَةٌ) (٩) ؛ أي أبصار أصحابها ذليلة خاضعة ، وذلك أنّ المضطرب الخائف لا بدّ أن يكون نظره نظر الذليل الخاضع ؛ لترقّب ما ينزل من الأمر. ويقال : ذليلة عند معاينة النار ، كقوله (خاشِعِينَ مِنَ الذُّلِ)(٢).
قال عطاء : «يريد أبصار من مات كافرا» يدلّ عليه أنه ذكر منكري البعث ، فقال : (يَقُولُونَ أَإِنَّا لَمَرْدُودُونَ فِي الْحافِرَةِ) (١٠) ؛ معناه : تقول الكفّار وهم في الدّنيا : أنردّ إلى أوّل حالنا وابتداء أمرنا فنصير أحياء؟ كما كنّا ، يقال : رجع فلان في حافرته ، أي رجع من حيث جاء. والحافرة عند العرب اسم لأول الشيء ، وابتداء الأمر. والمعنى أنهم كانوا يستبعدون البعث ، ويقولون : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) (١١) ؛ أنردّ إلى الحياة الأولى ، وتعاد فينا الروح بعد أن نصير عظاما نخرة ؛ أي بالية ، ومنه قولهم : رجع فلان في حافرته ؛ إذا رجع في الطريق الذي جاء فيه.
وقال بعضهم : الحافرة الأرض التي تحفر فيها قبورهم ، والحافرة بمعنى المحفورة كما في (عِيشَةٍ راضِيَةٍ) وما وافق معناه ، ومعناه : أئنّا لمردودون إلى الأرض فنبعث خلقا جديدا ، ونمشي على أقدامنا ، وقال ابن زيد : «الحافرة : النّار» ، وقيل : معناه : أنردّ أحياء في قبورنا.
قوله تعالى : (أَإِذا كُنَّا عِظاماً نَخِرَةً) قرأ أهل الكوفة (ناخرة) بالألف ، وهي قراءة عمر رضي الله عنه (٣) وابن عبّاس وابن مسعود وابن الزّبير. وقرأ الباقون (نخرة) بغير
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٩٦ ، وأبو عمرو هو المؤرّج ، وليس المؤرّخ ، والله أعلم. والمعنى مرتكضة ، مضطربة ، غير ساكنة.
(٢) الشورى / ٤٥.
(٣) في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٢٥ ؛ قال الثعلبي : (وهي قراءة عمر بن الخطاب وابنه وابن عباس ...). وفي الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٩٧ ؛ قال (وقرأ أبو عمرو وابنه عبد الله) وأظنه وهم أو تصحيف من النسّاخ.