ينشطون أرواح الكفّار نشطا عظيما ويجذبونها جذبا شديدا بكرب ومشقّة وغمّ ، كنشط السّفود الكثير الشّعر من الصوف المتلبد ، فيشتدّ عليهم خروج أرواحهم ، يقال : نشطت يد البعير إذا نطقته بالحبل ، وأنشطته إذا حللته.
قوله تعالى : (وَالسَّابِحاتِ سَبْحاً) (٣) ؛ هم الملائكة الموكّلون بقبض أرواح المؤمنين ، يسلونها سلّا رفيقا ، ثم يدعونها تستريح رويدا كالسّائح بالشيء في الماء يرفق به ، وقال مجاهد : «هم الملائكة ينزلون من السّماء مسرعين كالفرس الجواد السّابح لسرعته» (١). وقال الكلبيّ : «يقبضون أرواح المؤمنين كالّذي يسبح في الماء ، فأحيانا ينغمس وأحيانا يرتفع ، يسلّونها سلّا رفيقا» (٢). وقال قتادة : «هي النّجوم والشّمس والقمر ، قال الله تعالى : (كُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ)(٣)». وقال عطاء : «هي السّفن» (٤).
قوله تعالى : (فَالسَّابِقاتِ سَبْقاً) (٤) ؛ هم الملائكة سبقت بني آدم بالخير والعمل الصالح والإيمان والتّصديق. وقيل : يستبقون بأرواح المؤمنين إلى الجنّة. قوله تعالى : (فَالْمُدَبِّراتِ أَمْراً) (٥) ؛ يعني جبريل وميكائيل وإسرافيل وملك الموت ، يدبرون أمر الله في أهل الأرض ، فجبريل للوحي والتّنزيل ، وميكائيل للقطر والنبات ، وإسرافيل للصّور ، وملك الموت لقبض الأرواح ، وجواب هذه الأقسام محذوف ، تقديره : لتبعثنّ للجزاء والحساب ولتحاسبنّ.
قوله تعالى : (يَوْمَ تَرْجُفُ الرَّاجِفَةُ) (٦) ؛ يعني النفخة الأولى التي يموت فيها جميع الخلق ، والرّجفة صيحة عظيمة فيها تردّد واضطراب ، (تَتْبَعُهَا الرَّادِفَةُ) (٧) ؛ يعني النفخة الثانية ردفت النفخة الأولى ، وبينهما أربعون سنة ، وسميت الثانية رادفة تشبها بالرّادف من الرّاكب.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٠٣٧).
(٢) ذكره الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ١٢٣. والقرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ١٩٣.
(٣) الأنبياء / ٣٣.
(٤) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٨٠٣٩).