ألف ، والنّخرة : البالية ، والنّاخرة : المجوّفة ، يقال : نخر العظم ينخر فهو ناخر ونخرا إذا بلي وتفتّت ، وقال الأخفش : «هما لغتان ؛ أيّهما قرأت فحسن». والمعنى : أنّهم أنكروا البعث ، فقالوا : أنردّ أحياء إذا متنا وبليت عظامنا.
قوله تعالى : (قالُوا تِلْكَ إِذاً كَرَّةٌ خاسِرَةٌ) (١٢) ؛ كانوا يقولون على جهة التّكذيب : إن كان الأمر على ما يقول محمّد ، فتلك الرجعة خاسرة. والخاسرة : ذات الخسران ؛ أي إن رددنا بعد الموت لنخسرنّ بما يصيبنا بعد الموت.
ثم أعلم الله سهولة البعث عليه فقال تعالى ردّا عليهم : (فَإِنَّما هِيَ زَجْرَةٌ واحِدَةٌ) (١٣) ؛ يعني النفخة الأخيرة صيحة واحدة يسمعونها وهم في بطون الأرض أموات ، (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) (١٤) ؛ أي فإذا هم أحياء على وجه الأرض. والسّاهرة : وجه الأرض وظهرها ، فإنّما هي نفخة واحدة وصيحة واحدة هائلة (فَإِذا هُمْ بِالسَّاهِرَةِ) أي فإذا هم على ظهر الأرض بعد أن كانوا في جوفها. والعرب تسمّي وجه الأرض ساهرة ؛ لأن فيها نوم الجفون وسهرهم. يقال : إنّ المراد بالسّاهرة أرض بيت المقدس. ويقال : أراد به أرض الآخرة. وقيل : الساهرة : جهنّم.
قوله تعالى : (هَلْ أَتاكَ حَدِيثُ مُوسى) (١٥) ؛ أي هل جاءك ـ يا محمّد ـ حديث موسى ، (إِذْ ناداهُ رَبُّهُ ؛) أي هل بلغك قصّة موسى وخبره ، وهذا استفهام بمعنى التقرير ، كما يقول الرّجل لغيره : هل بلغك حديث فلان ، وهو يعلم أنّه بلغه ذلك ، ولكن يريد بهذا الكلام التحقيق.
ويجوز أن يراد بهذا الابتداء الإخبار ، كأنه قال : لم يكن عندك ـ يا محمّد ـ ولا عند قومك ما أعلمك الله به من حديث موسى إذ أسمعه الله نداءه ، (بِالْوادِ الْمُقَدَّسِ طُوىً) (١٦) ؛ أي بالوادي المطهّر الذي كلّمه الله عليه ، واسم ذلك الوادي (طوى). وهذا يقرأ بالتنوين وغيره ، فمن نوّنه وصرفه ؛ فلأنّه مذكّر سمّي به مذكر ، ومن لم يصرفه جعل له اسم البقعة التي هي مشتملة على ذلك الوادي.
قوله تعالى : (اذْهَبْ إِلى فِرْعَوْنَ إِنَّهُ طَغى) (١٧) ؛ أي ناداه ربّه فقال له : يا موسى اذهب إلى فرعون إنه علا وتكبّر وكفر وتجاوز عن الحدّ في المعصية ، (فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلى أَنْ تَزَكَّى) (١٨) ؛ أي تتطهّر عن الشّرك وتشهد أن لا إله إلّا الله ،