وألذّ الشّراب ما لا يكون فيه فضل ولا عجز عن الرّي ، ويقال في معناه : إنّها تكون على قدر كفّ الخدم ، وريّ المخدوم ولم يثقل حملها على أحد منهم.
قوله تعالى : (وَيُسْقَوْنَ فِيها كَأْساً كانَ مِزاجُها زَنْجَبِيلاً) (١٧) ؛ أي يسقون في الجنّة بآنية مملوءة من الخمر كان مزاجها زنجبيلا لا يشبه زنجبيل الدّنيا ، لكن سمّاه الله باسمه ليعرف ؛ لأن العرب تستطيب رائحة الزنجبيل في الدّنيا ، وأمّا هذا الزنجبيل المذكور في الآية فهو زنجبيل الجنّة يشوّق ويطرب من غير حرق ولدغ ، وإنما قال ذلك ؛ لأنّ العرب كانت تضرب المثل بالخمر الممزوجة بالزنجبيل ، قال الشاعر (١) :
كأنّ القرنفل والزّنجبي |
|
ل باتا بفيها وأريا مشورا |
قوله تعالى : (عَيْناً فِيها تُسَمَّى سَلْسَبِيلاً) (١٨) ؛ معناه تمزج الخمر بالزّنجبيل ، والزنجبيل من عين في الجنّة تسمّى تلك العين سلسبيلا ، والمعنى : من عين فيها تسمّى سلسبيلا ، قال مقاتل : «السّلسبيل عين من الخمر تنبع من تحت العرش من جنّة عدن إلى أهل الجنان» (٢).
قوله تعالى : (وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدانٌ مُخَلَّدُونَ ؛) أي يطوف عليهم بالخدمة وصفاء خلقوا للخلود ، ولا يتغيّرون عن سنّهم وشبابهم. وقيل : معنى (مخلّدون) مسوّرون مقرّطون ، يقال لجماعة الحليّ الخلد ، (إِذا رَأَيْتَهُمْ ؛) يا محمّد ، (حَسِبْتَهُمْ ؛) لصفائهم وحسن ألوانهم ، (لُؤْلُؤاً مَنْثُوراً) (١٩) ؛ أي كاللّؤلؤ المنثور ، فإن على البساط كان أحسن منه منظوما.
قوله تعالى : (وَإِذا رَأَيْتَ ثَمَّ ؛) إذا نظرت إلى الجنّة ، (رَأَيْتَ نَعِيماً ؛) لا يوصف ، (وَمُلْكاً كَبِيراً) (٢٠) ؛ أي وملكا عظيما لا يلحقه الزوال والعزل ، فقال مقاتل : «الملك الكبير استئذان الملائكة ، لا يدخل رسول رب العزّة من الملائكة عليهم إلّا بإذنهم ، ولا يدخل إلّا بالهدايا من الله تعالى ، والسّلام من الله تعالى كما قال تعالى : (سَلامٌ قَوْلاً مِنْ رَبٍّ رَحِيمٍ)(٣).
__________________
(١) نقله القرطبي في الجامع لأحكام القرآن من شعر الأعشى. والأرى : العسل.
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٤٢٩.
(٣) يس / ٥٨.