قوله تعالى : (وَذُلِّلَتْ قُطُوفُها تَذْلِيلاً) (١٤) ؛ أي وسخّرت وقرّبت ثمارها تسخيرا ، لا يمنعهم عنها شوك ولا بعد ، ينالها القائم والقاعد والمضطجع يتناولونها كما شاءوا ، فإذا كان الرجل قائما تطاولت له الشجرة على قدر قيامه ، وإن كان قاعدا ومتّكئا أو مضطجعا انخضعت له على قدر ذلك. ومثله قوله تعالى : (قُطُوفُها دانِيَةٌ)(١).
قال مجاهد : «أرض الجنّة من فضّة ، وترابها من مسك ، وأصول شجرها من ذهب ، وورقها لؤلؤ وزبرجد ، والتّمر تحت ذلك ، فمن أكل قائما لم يؤذّه ، ومن أكل قاعدا لم يؤذّه ، ومن أكل مضطجعا لم يؤذه» (٢).
قوله تعالى : (وَيُطافُ عَلَيْهِمْ بِآنِيَةٍ مِنْ فِضَّةٍ) ، أي بأقداح من فضّة ، (وَأَكْوابٍ) ، أي كيزان لا عرى لها ولا خراطيم ، (كانَتْ قَوارِيرَا) (١٥) ؛ أي كانت تلك الأكواب من فضّة ، وهي في صفاء القوارير ، يرى من خارجها ما في داخلها من الأشربة ، قال ابن عبّاس : «لو أخذت من فضّة أهل الدّنيا فضربتها حتّى صارت مثل جناح الذّباب لم يبصر ما فيها من رآها ، ولكنّ قوارير الجنّة في بياض الفضّة وفي صفاء القوارير».
قال الكلبيّ : «إنّ الله جعل قوارير كلّ قوم من تراب أرضهم ، وإنّ أرض الجنّة من فضّة ، فجعل من تلك الفضّة قوارير يشربون فيها». وفي قوله تعالى (قوارير) قراءتان ، من لم ينوّنهما فهو لا يصرف ، ومن صرفهما فعلى اتّباع رؤوس الآي.
قوله تعالى : (قَوارِيرَا مِنْ فِضَّةٍ قَدَّرُوها تَقْدِيراً) (١٦) ؛ أي قدّرها الملائكة قبل مجيئهم لها تقديرا ، فجاءت على ما قدّروا ، كما روي : «أنّ المؤمن لا يحدّث نفسه بشيء من شراب الجنّة إلّا أتاه الملك بالشّراب الّذي اشتهى في قدح من فضّة ـ على صفة الفضّة الّتي ذكرنا ـ على مقدار ريّ الشّارب وشهوته من غير زيادة ولا نقصان حتّى يستوفي الكمال من غير أن يتكلّم به».
__________________
(١) الحاقة / ٢٣.
(٢) في الدر المنثور : ج ٨ ص ٣٧٤ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن أبي شيبة وسعيد بن منصور وابن المنذر والبيهقي عن مجاهد) وذكره.