رقباء يشهدون عليه بعمله وإن أرخى ستوره وأغلق أبوابه ، يعني بالرّقباء سمعه وبصره وذكره ويديه ورجليه وجميع جوارحه. ودخول الهاء في بصيرة لأن المراد بالإنسان ها هنا الجوارح.
قوله تعالى : (وَلَوْ أَلْقى مَعاذِيرَهُ) (١٥) ؛ أي ولو اعتذر وجادل عن نفسه لم ينفعه ذلك ، وإن اعتذر فعليه من يكذّب عذره. وقيل : المعاذير جمع المعذار وهو السّتر ، معناه : وإن أسبل السّتر ؛ ليختفي بما عمل ، فإنّ نفسه شاهدة عليه.
وقوله تعالى : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ ؛) خطاب للنبيّ صلىاللهعليهوسلم يقول : لا تحرّك بالقرآن لسانك ، (لِتَعْجَلَ بِهِ) (١٦) ؛ بقراءته قبل أن يفرغ جبريل من قراءته عليك ، وذلك أنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم كان إذا نزل عليه شيء من الوحي لم يفرغ جبريل من آخره حتّى تلاه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم مخافة أن ينفلت منه ، فأعلمه الله بقوله : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ وَقُرْآنَهُ) (١٧) ؛ أي إنّ علينا حفظه في قلبك ، وتأليفه على ما يأمره الله به ، وأعلمه بأنه لا ينسيه إيّاه ، كما قال تعالى (سَنُقْرِئُكَ فَلا تَنْسى)(١) فلم ينس النبيّ صلىاللهعليهوسلم شيئا حتى مات.
وعن ابن عبّاس في معنى هذه الآية قال : «كان النّبيّ صلىاللهعليهوسلم يعالج من التّنزيل شدّة ، كان إذا نزل عليه الوحي يحرّك لسانه وشفتيه قبل فراغ جبريل من قراءة الوحي مخافة أن لا يحفظ ، فأنزل الله عليه الآية : (لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ»)(٢). ومثله قوله (وَلا تَعْجَلْ بِالْقُرْآنِ مِنْ قَبْلِ أَنْ يُقْضى إِلَيْكَ وَحْيُهُ)(٣). قوله تعالى : (إِنَّ عَلَيْنا جَمْعَهُ) في صدرك (وقرآنه) أي إنّ جبريل يقرؤه عليك حتى تحفظه.
وقوله تعالى : (فَإِذا قَرَأْناهُ فَاتَّبِعْ قُرْآنَهُ) (١٨) ؛ أي فإذا قرأه جبريل بأمرنا وفرغ منه ، فاقرأه أنت إذا فرغ جبريل من قراءته. وقيل : معناه : فإذا جمعناه ،
__________________
(١) الأعلى / ٦.
(٢) أخرجه الإمام مالك في الموطأ : باب ما جاء في القرآن : ج ١ ص ٢٠٢ ـ ٢٠٣. والإمام أحمد في المسند : ج ٦ ص ٢٥٧. والبخاري في الصحيح : كتاب التفسير : الحديث (٤٩٢٧) و ٤٩٢٩ و ٥٠٤٤). والطبراني في المعجم الكبير : ج ١١ ص ٣٦٢ : الحديث (١٢٢٩٧).
(٣) طه / ١١٤.