وقال ابن جبير : «أيّ ساعة قام من اللّيل فقد نشأ» (١) ، وقال قتادة : «ما كان بعد العشاء فهو ناشئة» (٢). وقال عبيد بن عمير لعائشة رضي الله عنها : «رجل قام من أوّل اللّيل أيقال له ناشئة؟ قالت : لا ؛ إنّما النّاشئة القيام بعد النّوم». وقال ابن كيسان : «هي القيام من آخر اللّيل». وعن ابن عبّاس قال : «إذا نشأت قائما فهو ناشئة» (٣) ، وعن مجاهد أنه قال : «إذا قام الإنسان اللّيل كلّه فصلّى فهو ناشئة ، وما كان بعد العشاء الأخيرة فهو ناشئة».
قوله تعالى : (هِيَ أَشَدُّ وَطْئاً وَأَقْوَمُ قِيلاً) أي أثقل على المصلّي من ساعات النّهار ، من قول العرب : اشتدّت على القوم وطأة السّلطان ؛ إذا ثقل عليهم ما يلزمهم ، ومنه قوله صلىاللهعليهوسلم : [اللهم اشدد وطأتك على مضر](٤).
وقرأ أبو عمرو وابن عامر (وطئا) بكسر الواو والمدّ على معنى المواطأة والموافقة ، ومنه قوله تعالى : (لِيُواطِؤُا عِدَّةَ ما حَرَّمَ اللهُ)(٥) ، قال ابن عبّاس : «يواطئ السّمع القلب» ، والمعنى : أنّ صلاة ناشئة الليل يواطئ السمع والقلب فيها أكثر مما يواطئ في ساعات النّهار ؛ لأن الليل أفرغ للانقطاع عن كثر ما يشغل بالنهار. ويقال : واطأت فلانا على كذا مواطأة ووطأة ؛ إذا وافقته عليه.
قوله تعالى : (وَأَقْوَمُ قِيلاً) (٦) ؛ أي أبين قولا بالقرآن ، وقيل : أستر استقامة وأطرب قراءة ، وعبادة الليل أشدّ نشاطا وألذّ إخلاصا وأكثر بركة.
قوله تعالى : (إِنَّ لَكَ فِي النَّهارِ سَبْحاً طَوِيلاً) (٧) ؛ أي إنّ لك في النهار تصرّفا وإقبالا وإدبارا في حوائجك وأشغالك ، وسعة لتصرّفك وقضاء حوائجك ، والمعنى : إنّ لك في النّهار فراغا للنّوم والتصرّف في الحوائج ، فصلّ من الليل.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٢٨٠).
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٢٩٠).
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٢٨٦).
(٤) تقدم.
(٥) التوبة / ٣٧.