والسّبح : التقلّب ، ومنه السّابح في الماء لتقلّبه بيديه ورجليه. وقيل : معناه : إنّ لك في النهار تصرّفا واشتغالا في حوائجك حيث لا تتفرّغ لصلاة النّفل ، فخذ حظّك من قيام الليل ، وكان شغل النبيّ صلىاللهعليهوسلم بالنّهار ما كان عليه من تبليغ الوحي والرّسالة وتعليم الناس الفرائض والسّنن ، وقيامه بأدائها وأمور معاشه ومعاش عياله.
قوله تعالى : (وَاذْكُرِ اسْمَ رَبِّكَ وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) (٨) ؛ معناه : واذكر اسم ربك بالتوحيد والتعظيم. ويجوز أن يكون المراد به الذّكر المشروع لافتتاح الصّلاة ، ويجوز أن يكون المراد به كثرة ذكر الله في الصّلاة وخارج الصلاة.
قوله تعالى : (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي انقطع إلى الله في العبادة ، وتأميل الخير منه دون غيره. ومن هذا سمّيت فاطمة البتول ؛ لأنّها انقطعت إلى الله تعالى في العبادة ، والبتل في اللغة : القطع وتميّز الشيء من الشيء ، ومنه صدقة بتلة ؛ أي منقطعة من مال صاحبها ، وطلقة بتلة : قاطعة للزّوجة.
وإنما قال (تبتيلا) ولم يقل تبتّلا على معنى تبتّل لنفسك إليه تبتيلا. وقال ابن عبّاس : «معنى (وَتَبَتَّلْ إِلَيْهِ تَبْتِيلاً) أي أخلص إليه إخلاصا» (١). وقال الحسن : «اجتهد اجتهادا». وقال شقيق : «توكّل عليه توكّلا». وقال زيد بن أسلم : «التّبتّل : رفض الدّنيا وما فيها ، والتماس ما عند الله» (٢).
قوله تعالى : (رَبُّ الْمَشْرِقِ وَالْمَغْرِبِ لا إِلهَ إِلَّا هُوَ ؛) قرأ أهل الحجاز وأبو عمرو ونافع وحفص (ربّ المشرق) بالرفع على معنى : هو ربّ المشرق ، وقرأ الباقون بالخفض على معنى نعت الرب في قوله (اسم ربك). وقيل : على البدل منه ، ويجوز أن تكون قراءة الرفع على الابتداء ، وخبره (لا إِلهَ إِلَّا هُوَ). وقوله تعالى : (فَاتَّخِذْهُ وَكِيلاً) (٩) ؛ أي اتّخذه حافظا لك ، وكفيلا فيما وعدك من النصر والثواب لك ولأمّتك.
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٧٢٣٨).
(٢) نقله أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ١٠ ص ٦٣.