قوله تعالى : (أَفَلَمْ يَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ ؛) يعني أهل مكّة ، (فَيَنْظُرُوا كَيْفَ كانَ عاقِبَةُ الَّذِينَ مِنْ قَبْلِهِمْ ؛) من الأمم المكذّبة ، (دَمَّرَ اللهُ عَلَيْهِمْ ؛) منازلهم وأهلكهم بالعذاب ، والتدمير : الهلاك ، ثم يوعد مشركي مكّة فقال : (وَلِلْكافِرِينَ أَمْثالُها) (١٠) ؛ أن لم يؤمنوا ؛ أي أمثال عقوبتهم وأشباه عقوبات من كان قبلهم.
وقوله تعالى : (ذلِكَ بِأَنَّ اللهَ مَوْلَى الَّذِينَ آمَنُوا ؛) أي ذلك النّصر للمؤمنين والهلاك للكافرين بأنّ الله وليّ الذين آمنوا يلي أمرهم ويتولّى نصرهم ، (وَأَنَّ الْكافِرِينَ لا مَوْلى لَهُمْ) (١١) ؛ أي ليس لهم وليّ يعينهم ولا ناصر ينجيهم من العذاب.
قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ يُدْخِلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحاتِ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهارُ ؛) ظاهر المعنى ، (وَالَّذِينَ كَفَرُوا يَتَمَتَّعُونَ ؛) في الدّنيا ، (وَيَأْكُلُونَ كَما تَأْكُلُ الْأَنْعامُ ؛) تأكل وتشرب ولا تدري ما في غد ، كذلك الكفار لا يلتفتون إلى الآخرة ، (وَالنَّارُ مَثْوىً لَهُمْ) (١٢) ؛ أي منزلهم ومقامهم ومصيرهم.
وأراد بالتمتّع التعيّش في الدنيا في الجهل ، وشبّه أكل الكافر بأكل الأنعام لأنّهم يأكلون للشّبع لا يهمّهم ما في غد ، والمؤمن همّته مصروفة إلى أمر دينه يأكل للقيام بعبادة الله لا للشّبع ، ويكون قصده من التّمتّع إعفاف نفسه وزوجته ، وابتغاء ما كتب من الولد.
وفي الحديث عن النبيّ صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [ما ملأ ابن آدم وعاء شرّا من بطنه ، فإن كان لا بدّ : فثلثا للطّعام وثلثا للشّراب وثلثا للنّفس](١). وقال الحسن : (وهو أنّكم إذا أشبعتم عصيتم شئتم أو أبيتم).
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ٢٠ ص ٢٢٤ : الحديث (٦٤٤ و ٦٤٥) وإسناده صحيح. وأخرجه ابن حبان في الإحسان : كتاب الرقائق : الحديث (٦٧٤) ، وكتاب الأطعمة : الحديث (٥٢٣٦) وإسناده صحيح.