قبل أن يخرج المساكين إليه (وَلا يَسْتَثْنُونَ) أي ولم يقولوا إن شاء الله (١).
وروي أنّ أباهم كان يأخذ من هذا البستان قوت سنة لنفسه ، وكان يتصدّق بما بقي على المساكين. وقيل : إنه كان يترك لهم ما خرج من السّباط الذي كان يسقط تحت النّخلة إذا صرمت ، فقال بنوه بعد موته : نحن جماعة وإن فعلنا ما كان يفعله أبونا ضاق عيشنا ، فحلفوا ليصرمنّها مصبحين لئلّا يصل إلى المساكين منها شيء ، ولا يستثنون.
وإنما شبّه اختبار أهل مكّة باختبار أهل البستان ؛ لأن أبا جهل كان قال يوم بدر قبل التقاء الفئتين : والله لنأخذهم أخذا ، ولم يستثن ، فقال صلىاللهعليهوسلم حين بلغه الخبر : [اللهمّ اشدد وطأتك على مضر ، اللهمّ سنين كسنين يوسف] ، وكان هذا الدعاء قبل وقوع الهزيمة على الكفّار ، فابتلاهم الله بالجوع والقحط سبع سنين حتى أكلوا العظام المحرّقة.
قوله تعالى : (فَطافَ عَلَيْها طائِفٌ مِنْ رَبِّكَ وَهُمْ نائِمُونَ) (١٩) ؛ وذلك أنّهم لمّا تخافتوا تلك الليلة على أن يصرموها ، سلّط الله على جنّتهم (٢) بالليل نارا فأحرقته وهم نائمون. ولا يكون الطّائف إلّا بالليل ، (فَأَصْبَحَتْ كَالصَّرِيمِ) (٢٠) أي كاللّيل المظلم سوداء محترقة. والصّريمان : الليل والنهار ، ولا يصرم أحدهما من الآخر ، وقيل : سمي الليل صريما ؛ لأنه يقطع بظلمته عن التصرّف في الأمور.
قوله تعالى : (فَتَنادَوْا مُصْبِحِينَ (٢١) أَنِ اغْدُوا عَلى حَرْثِكُمْ إِنْ كُنْتُمْ صارِمِينَ) (٢٢) ؛ أي أصبحوا عند طلوع الفجر ينادي بعضهم بعضا : أن اغدوا إلى بستانكم وزروعكم إن كنتم قاطعين للثّمار والأعناب والزّروع قبل أن يعلم المساكين بنا.
قوله تعالى : (فَانْطَلَقُوا وَهُمْ يَتَخافَتُونَ) (٢٣) ؛ أي فتنادوا مصبحين ، وخرجوا مسرعين يتخافتون ؛ أي يسرّون الكلام فيما بينهم ويتشاورون فيما بينهم (أَنْ لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) (٢٤) ، يزاحمهم على الثمرة أن لا
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٩ ص ٢٣٩ ، حكاه عن الكلبي في تفسيره.
(٢) في المخطوط : (جناتهم) والمناسب (جنتهم).