يقطعنّها أحد من المحتاجين ، والمعنى : أنّهم كانوا يتشاورون يقول بعضهم لبعض : (لا يَدْخُلَنَّهَا الْيَوْمَ عَلَيْكُمْ مِسْكِينٌ) ، والتّخافت : هو إخفاء الحركة ، والخفوت : السّكوت.
قوله تعالى : (وَغَدَوْا عَلى حَرْدٍ قادِرِينَ) (٢٥) ؛ أي غدوا على قصد منع الفقراء قادرين في زعمهم على إحراز ما في جنّتهم من الثمار دون الفقراء ، وهم لا يعلمون أنّها قد احترقت ليلا وهم نائمون. وقيل : إن الحرد هو المنع والغضب والحنق على المساكين ، وقيل : الحرد هو الجدّ ، وقيل : الغلظ.
قوله تعالى : (فَلَمَّا رَأَوْها قالُوا إِنَّا لَضَالُّونَ (٢٦) بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) (٢٧) ؛ فلمّا رأوا جنّتهم عند الصباح سوداء محترقة قالوا : إنا قد ضللنا الطريق وليست هذه جنّتنا ، فلما أمعنوا النظر عرفوها ، فعلموا أنّها عقوبة ، فقالوا : (بَلْ نَحْنُ مَحْرُومُونَ) أي حرمنا ثمر جنّتنا لمنعنا المساكين ، وما أخطأنا الطريق إليها.
قوله تعالى : (قالَ أَوْسَطُهُمْ أَلَمْ أَقُلْ لَكُمْ لَوْ لا تُسَبِّحُونَ) (٢٨) ؛ أي قال أعدلهم وأفضلهم ، وقيل : أوسط الثلاثة سنّا ، قال لهم : ألم أقل لكم هلّا تستثنون في حلفكم وقد كان قال لهم ذلك عند قسمهم.
وإنما أقيم لفظ التّسبيح مقام الاستثناء ؛ لأنّ في الاستثناء تعظيم الله ، والإقرار بأنّ أحدا لا يقدر أن يفعل فعله إلّا بمشيئة الله تعالى. ويقال : كان استثناء القوم في ذلك الزمان التسبيح. ويجوز أن يكون معنى التسبيح ها هنا : هلّا تنزّهون الله وتستغفرونه من سوء نيّاتكم؟ (قالُوا ؛) عندما رأوا من قدرة الله تعالى : (سُبْحانَ رَبِّنا ؛) أي تنزيها لربنا وتعظيما واستغفارا له ، (إِنَّا كُنَّا ظالِمِينَ) (٢٩) ؛ لأنفسنا بما عزمنا عليه من الذهاب بحقوق الفقراء ومنعنا لهم.
قوله تعالى : (فَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلى بَعْضٍ يَتَلاوَمُونَ) (٣٠) ؛ أي أقبلوا يلوم بعضهم بعضا بما كان منهم من منع المساكين ، يقول كلّ واحد منهم لصاحبه : هذا من عملك ، وأنت الذي بدأت بذلك ، ثم (قالُوا ؛) بأجمعهم : (يا وَيْلَنا إِنَّا كُنَّا طاغِينَ) (٣١) ؛ حين لم نصنع ما صنع أبونا من قبل. والطّاغي : المتجاوز عن الحدّ.