قوله تعالى : (وَإِنَّ لَكَ لَأَجْراً ؛) معناه : وإنّ لك أجرا بصبرك على افترائهم عليك ونسبتهم إياك إلى الجنون ، (غَيْرَ مَمْنُونٍ) (٣) ؛ أي غير منقوص ولا مقطوع.
قوله تعالى : (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ) (٤) ؛ أي على دين عظيم لم أخلق دينا أحب إليّ ، ولا أرضى عندي منه ، يعني الإسلام ، وروي عن عكرمة عن ابن عبّاس : (يعني القرآن) والمراد آداب القرآن كما أمر الله به نبيّه عليهالسلام.
وسئلت عائشة رضي الله عنها عن خلقه ، فقالت للسّائل : (إقرأ العشر الّتي في أوّل سورة المؤمنين ، فقرأها ، فقالت : تلك خلقه). وقيل : لمّا سئلت عائشة عن خلقه ، قالت : (كان خلقه القرآن ، يسخط لسخطه ، ويرضى لرضاه) (١).
ويقال : إنّ جبريل عليهالسلام لمّا جاء إلى النبيّ صلىاللهعليهوسلم بقوله (خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ وَأَعْرِضْ عَنِ الْجاهِلِينَ)(٢) قال : [أتيتك يا محمّد بمكارم الأخلاق : أن تصل من قطعك ، وتعطي من حرمك ، وتعفو عمّن ظلمك]. وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [بعثت لأتمّم مكارم الأخلاق ، أدّبني ربي فأحسن تأديبي](٣).
ويقال : إنّه صلىاللهعليهوسلم احتمل لله في البلاء إلى أن قال حين شجّ في وجهه : [اللهمّ اهد قومي فإنّهم لا يعلمون] فأنزل الله تعالى (وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ). قال الجنيد : (سمّى خلقه عظيما لأنّه لم يكن له همّ سوى الله تعالى). وقيل : إنّه صلىاللهعليهوسلم عاشرهم بخلقه وزايلهم بقلبه ، كان ظاهره مع الخلق وباطنه مع الحقّ! وقيل : سمّى خلقه عظيما لاحتمال مكارم الأخلاق فيه.
__________________
(١) في الدر المنثور : ج ٨ ص ٢٤٣ ؛ قال السيوطي : (أخرجه ابن المنذر وابن مردويه والبيهقي في الدلائل عن أبي الدرداء قال : سألت عائشة) وذكره.
(٢) الأعراف / ١٩٩.
(٣) رواه الإمام مالك بلاغا في الموطأ : كتاب حسن الخلق : ج ٢ ص ٩٠٤. والإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٣٩٨. والحاكم في المستدرك : دلائل النبوة : الحديث (٤٢٧٨) وقال : صحيح على شرط مسلم.