قوله تعالى : (فَإِذا بَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ فارِقُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ) معناه : إذا قاربن انقضاء عدّتهن فراجعوهن بحسن الصّحبة قبل أن يغتسلن من الحيضة الثالثة ، أو يتركوا مراجعتهن بإيفاء المهر ونفقة العدّة حتى تنقضي عدّتهن ، ولا يجوز أن يكون المراد بهذه الآية حقيقة بلوغ الأجل لأنه لا رجعة بعد بلوغ الأجل الذي هو انقضاء العدّة.
قوله تعالى : (وَأَشْهِدُوا ذَوَيْ عَدْلٍ مِنْكُمْ ؛) أي أشهدوا على الطّلقة والرجعة ذوى عدل منكم من المسلمين ، وهذا أمر استحباب احتياطا من التجاحد ، كي لا يجحد الزوج الطلاق ، ولا تجحد المرأة بعد مضيّ العدّة الرجعة. ثم قال للشّهود : (وَأَقِيمُوا الشَّهادَةَ لِلَّهِ ذلِكُمْ يُوعَظُ بِهِ مَنْ كانَ يُؤْمِنُ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ؛) أي ذلك الذي ذكر لكم من الأمر والنهي والطّلاق والرجعة وإقامة الشّهادة ، يوعظ به من كان يؤمن بالله ، ويصدّق بالبعث بعد الموت ؛ لأنّهم هم الذين ينتفعون بالوعظ.
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَّقِ اللهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً) (٢) ؛ أي ومن يتّق الله بامتثال أوامره واجتناب نواهيه يجعل له مخرجا من المعصية إلى الطاعة ، ويقال : من الحرام والشّبهات إلى الحلال. وقيل : يجعل له مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت ، ومن شدائد يوم القيامة ، (وَيَرْزُقْهُ ؛) في الآخرة من نعيم الجنّة ، (مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ ؛) ويقال : يرزقه في الدنيا من حيث لا يأمل ، وعن رسول الله صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [من أكثر من الاستغفار جعل الله له من كلّ همّ فرجا ، ومن كلّ ضيق مخرجا](١).
قوله تعالى : (وَمَنْ يَتَوَكَّلْ عَلَى اللهِ فَهُوَ حَسْبُهُ ؛) أي من يفوّض أموره إلى الله عالما واثقا بحسن تقديره وتدبيره فهو كافيه ، لا يحتاج إلى غيره. قوله تعالى : (إِنَّ اللهَ بالِغُ أَمْرِهِ ؛) أي منفّذ أمره ممضي إرادته ، لا يمنع عمّا يريد ، (قَدْ
__________________
(١) أخرجه الطبراني في المعجم الكبير : ج ١٠ ص ٢٨٢ : الحديث (١٠٦٦٥) بلفظ : [من لزم الاستغفار]. وفي المعجم الأوسط : الحديث (٦٢٨٧). والحاكم في المستدرك : كتاب التوبة والإنابة : الحديث (٧٧٥١) وصححه. وقال الذهبي : الحكم فيه جهالة.