قوله تعالى : (قُلْ يا أَيُّهَا الَّذِينَ هادُوا إِنْ زَعَمْتُمْ أَنَّكُمْ أَوْلِياءُ لِلَّهِ مِنْ دُونِ النَّاسِ فَتَمَنَّوُا الْمَوْتَ إِنْ كُنْتُمْ صادِقِينَ) (٦) ؛ هذا جواب لليهود في قولهم (نَحْنُ أَبْناءُ اللهِ وَأَحِبَّاؤُهُ) وقال الله تعالى لنبيّه : قل لهم : إن ادّعيتم أنّكم أحبّاء الله وأهل ولايته وأنّ الجنة في الآخرة لكم من دون الناس ، فاسألوا الله الموت إن كنتم صادقين في مقالتكم ، قولوا : اللهمّ أمتنا كي تصلوا إلى نعيم الآخرة وتستريحوا من تعب الدّنيا ، وسيميتكم الله إن قلتم ذلك.
كما روي في الحديث : أنّه لمّا نزلت هذه الآية قال لهم النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [قولوا : اللهمّ أمتنا ، فو الّذي نفسي بيده ، ليس أحد منكم يقول ذلك إلّا غصّ بريقه فمات مكانه] فكرهوا ذلك وأبوا أن يقولوا (١) ، وعرفوا أنّه سيكون ذلك إن قالوا. فأنزل الله تعالى : (وَلا يَتَمَنَّوْنَهُ أَبَداً بِما قَدَّمَتْ أَيْدِيهِمْ ؛) أي لا يتمنّون ذلك بما قدّموا من التكذيب بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، والتحريف لصفته في التّوراة.
قوله تعالى : (وَاللهُ عَلِيمٌ بِالظَّالِمِينَ) (٧) ؛ إخبار عن معلوم الله فيهم ، حذرهم الله بقوله : (قُلْ إِنَّ الْمَوْتَ الَّذِي تَفِرُّونَ مِنْهُ فَإِنَّهُ مُلاقِيكُمْ ؛) أي قل يا محمّد لليهود : إنّ الموت الذي تفرّون منه لأن تلقوه فإنه نازل بكم لا محالة عند انقضاء آجالكم ، (ثُمَّ تُرَدُّونَ إِلى عالِمِ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ فَيُنَبِّئُكُمْ بِما كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ) (٨) ؛ من خير أو شرّ.
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا نُودِيَ لِلصَّلاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلى ذِكْرِ اللهِ وَذَرُوا الْبَيْعَ ؛) يعني النداء إذا جلس الإمام على المنبر يوم الجمعة ؛ لأنه لم يكن على عهد رسول الله صلىاللهعليهوسلم نداء سواه ، كان إذا جلس على المنبر أذن بلال على باب المسجد ، وكذا كان على عهد أبي بكر وعمر.
__________________
(١) هو معنى حديث روي عن النبي صلىاللهعليهوسلم أنه قال : [لو أنّ اليهود تمنّوا الموت لماتوا ورأوا مقامهم من النّار]. أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ١ ص ٢٤٨ عن ابن عباس رضي الله عنهما. والطبري في جامع البيان : الأثر (١٢٩٦) من تفسير سورة البقرة. وفي مجمع الزوائد : ج ٦ ص ٣١٤ ؛ قال الهيثمي : (قلت : هو في الصحيح بغير سياقه ، ورواه البزار ورجاله رجال الصحيح).