قوله تعالى : (وَآخَرِينَ مِنْهُمْ لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ) (٣) ؛ معناه : وبعثه في آخرين منهم يعني الأعاجم ، والنبيّ صلىاللهعليهوسلم مبعوث إلى كلّ من شاهده من العرب والعجم وإلى كلّ من يأتي منهم بعد ذلك.
وقوله تعالى (منهم) لأنّهم إذا أسلموا صاروا منهم ، والمسلمون كلّهم يد واحدة وأمّة واحدة وإن اختلف أجناسهم. وقوله تعالى (لَمَّا يَلْحَقُوا بِهِمْ) في الفضل والسّابقة ؛ لأن التّابعين لا يدركون شأن الصحابة.
قوله تعالى : (ذلِكَ فَضْلُ اللهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشاءُ ؛) يعني الإسلام والهداية إلى دينه ، وقيل : النبوّة والكتاب والإسلام يعطيه الله قريشا ممن يراه أهلا له به ، (وَاللهُ ذُو الْفَضْلِ الْعَظِيمِ) (٤) ؛ على من اختصّه بالنبوّة والإسلام ، وقيل : ذو المنّ العظيم على خلقه ببعث محمّد صلىاللهعليهوسلم.
قوله تعالى : (مَثَلُ الَّذِينَ حُمِّلُوا التَّوْراةَ ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها ؛) معناه : مثل اليهود الذين أمروا بما في التّوراة ، ويظهروا صفة محمّد ونعته فيها ، ثم لم يفعلوا ما أمروا به ولم يؤمنوا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم ، (كَمَثَلِ الْحِمارِ يَحْمِلُ أَسْفاراً ؛) أي يحمل كتبا من العلم عظاما لا يدري ما عليه وما حمل.
والأسفار : جمع سفر ، وهو الكتاب الكبير ، شبّه اليهود إذ لم ينتفعوا بما في التّوراة وهي دالّة على الإيمان بالحمار يحمل كتب العلم ، ولا يدري ما فيه ، وليس حمل التوراة من الحمل على الظّهر ، وإنما هو من الحمالة وهو الضّمان والكفالة والقبول كما في قوله تعالى (فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَها)(١) أي يقبلنها. فاليهود ضمنوا العمل بها ثم لم يفعلوا بما ضمنوا وجحدوا بعض ما حملوا ، فلذلك قيل : (ثُمَّ لَمْ يَحْمِلُوها).
قوله تعالى : (بِئْسَ مَثَلُ الْقَوْمِ الَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِ اللهِ ؛) يعني اليهود كذبوا بالقرآن وبالتّوراة حين لم يؤمنوا بمحمّد صلىاللهعليهوسلم ، (وَاللهُ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) (٥) ؛ الذين ظلموا أنفسهم بتكذيبهم الأنبياء.
__________________
(١) الأحزاب / ٧٢.