فضرب الله هذا مثلا لبني قريظة والنضير والمنافقين من أهل المدينة ، وذلك أنّ الله تعالى أمر نبيّه صلىاللهعليهوسلم أن يجلي بني النضير فدسّ إليهم المنافقون أن لا يجيبوا محمّدا إلى ما دعاكم ولا تخرجوا من دياركم ، فإن قاتلوكم كنّا معكم ، وإن أخرجكم خرجنا معكم ، فأطاعوهم فدربوا على حصونهم وتحصّنوا في دورهم ، فجاء رسول الله صلىاللهعليهوسلم فحاربهم فناصبوه الحرب يرجون نصرة المنافقين ، فخذلوهم وتبرّؤا منهم كما تبرّأ الشيطان من برصيصا وخذله (١).
قوله تعالى : (فَكانَ عاقِبَتَهُما أَنَّهُما فِي النَّارِ خالِدَيْنِ فِيها ؛) معناه : فكان عاقبة الشّيطان والذي كفر أنّهما في النار مقيمين دائمين ، (وَذلِكَ جَزاءُ الظَّالِمِينَ) (١٧) ؛ أي وذلك عاقبة الكافرين ، فليحذر امرؤ أن يقع في مثل ما وقع فيه هذا الكافر ، وقال مقاتل : (معنى الآية : فكان عاقبة المنافقين واليهود أن صاروا إلى النّار وذلك جزاؤهم) (٢).
قوله تعالى : (يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللهَ ؛) معناه : واتّقوا الله بأداء فرائضه واجتناب معاصيه ، (وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ ما قَدَّمَتْ لِغَدٍ ؛) أي ليوم القيامة عملا صالحا ينجيها أم عملا سيّئا يوبقها ، قال الحسن : (ما زال الله يقرّب السّاعة حتّى جعلها كغد) (٣). (وَاتَّقُوا اللهَ إِنَّ اللهَ خَبِيرٌ بِما تَعْمَلُونَ) (١٨).
قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللهَ ؛) أي تركوا حقّ الله وأمره حتى صار كالمنسيّ عندهم ، (فَأَنْساهُمْ أَنْفُسَهُمْ ؛) أي فخذلهم حتى لم يعملوا لله طاعة ، ويقدّموا خيرا لأنفسهم ، قال ابن عبّاس : (يريد قريظة والنّضير) وباقي الآيتين ، (أُولئِكَ هُمُ الْفاسِقُونَ (١٩) لا يَسْتَوِي أَصْحابُ النَّارِ وَأَصْحابُ الْجَنَّةِ أَصْحابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفائِزُونَ) (٢٠) ، ظاهر المعنى.
قوله تعالى : (لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللهِ وَتِلْكَ الْأَمْثالُ نَضْرِبُها لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) (٢١) ؛ معناه :
__________________
(١) أخرجه الطبري متفرقا في جامع البيان : الأثر (٢٦٢٦٦ ـ ٢٦٢٦٩).
(٢) ذكره مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٤٣.
(٣) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٦٢٧١) عن قتادة.