لو جعل في الجبل تمييز وعقل مثلكم ، وعلم من القرآن كما تعلمون أنتم لرأيته يخشع ويتصدّع خوفا من عذاب الله ، وكبره وصلابته فأنتم مع ضعفكم وصغركم أولى بالخشوع والعمل على مقتضى الدّين في تمييز الحقّ من الباطل.
وقيل : معناه : لو شعر الجبل مع صلابته وشدّته بالقرآن لخشع تعظيما للقرآن ولصدع من خشية الله ، فالإنسان أحقّ بهذا منه ، وهذا وصف للكافر بالقسوة حين لم يلن قلبه بمواعظ القرآن الذي لو أنزل على جبل لخشع.
قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ عالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهادَةِ هُوَ الرَّحْمنُ الرَّحِيمُ) (٢٢) ؛ قيل : إنّ هذه الآيات مردودة إلى أوّل السّورة ، والمعنى : هو الذي أخرج الذين كفروا وهو الله الذي تحقّ له العبادة ، ولا يشركه في ذلك غيره ، وهو العالم بكلّ شيء مما غاب عن العباد ومما علموه.
قوله تعالى : (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلهَ إِلَّا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ سُبْحانَ اللهِ عَمَّا يُشْرِكُونَ) (٢٣) ؛ القدّوس : هو الظاهر عن كلّ عيب ، المنزّه عن كلّ ما لا يليق به. والسّلام : هو الذي سلم من كلّ نقص وعيب ، وقيل : هو الذي سلم العباد من ظلمه.
والمؤمن : هو الذي أمن أولياؤه عذابه. والمهيمن : هو الشهيد على عباده بأعمالهم ، ومنه قوله تعالى : (وَمُهَيْمِناً عَلَيْهِ)(١) أي شاهدا عليه ، ويقال : هيمن يهيمن فهو مهيمن ، إذا كان رقيبا على الشيء.
والعزيز : الممتنع الذي لا يغلبه شيء ولا يمنع من مراده. والجبّار : هو العظيم ، وجبروت الله عظمته ، ويجوز أن يكون فعّالا من جبر إذا أغنى الفقير وأصلح الكسير. ويجوز أن يكون من جبره على كذا اذا أكرهه على ما أراد. قال السديّ ومقاتل : (هو الّذي يقهر النّاس ويجبرهم على ما يشاء) (٢). والمتكبر : هو المستحقّ لصفات التعظيم وهو من الكبرياء ، وإنما تذمّ صفة المتكبر في الناس لأنه ينزل نفسه منزلة لا يستحقّها.
__________________
(١) المائدة / ٤٨.
(٢) نقله عن السدي أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٨٧.