فقال له الأبيض : ويحك! إنّك قد افتضحت ، فهل لك أن تقتلها وتتوب؟ فإن سألوك عنها فقل : جاء شيطانها فذهب بها ولم أطق ، ففعل ذلك فقتلها ثم ذهب بها الى ناحية من الجبل ودفنها ، فجاء الشيطان ليلا وهو يدفنها فجذب طرف إزارها حتى صار خارجا من التّراب ، ثم رجع برصيصا إلى صومعته وأقبل على صلاته.
فجاء إخوتها يتعاهدونه وكانوا في سائر الأيّام يأتون برصيصا ويتعاهدون أختهم ويوصوه بها ، فأتوه في هذه المرّة كعادتهم فلم يجدوها ، فقالوا : أين ذهبت أختنا؟ فقال برصيصا : جاء شيطانها فذهب بها ولم أطقه ، فصدّقوه وانصرفوا عنه وهم مكروبون.
فجاءهم الأبيض في صورة إنسان وأخبرهم بالخبر وقال لهم : هي مدفونة في موضع كذا ، وأنّ برصيصا قد فعل بها كذا وكذا ثم قتلها ودفنها ، وإنّ طرف إزارها خارجا من التّراب. فانطلقوا فوجدوها كما قال فجمعوا لبرصيصا علماؤهم وعساكرهم وجاءوا بالفؤوس والمساحي فهدموا صومعته وأنزلوه وكتّفوه ، وانطلقوا به إلى الملك مغلولا ، فسأله عن ذلك فأقرّ على نفسه فصلبه الملك على خشبة.
فجاء إبليس إلى الأبيض فقال له : أيّ شيء صنعت في برصيصا ، الآن يقتل ويكون قتله كفّارة لما كان منه ، وما يغني عنك ما صنعت فيه؟! فقال الأبيض : أنا أكفيك فيه ، فأتاه وهو مصلوب ، فقال له : يا برصيصا أتعرفني؟ قال : لا ، قال : أنا صاحبك الذي علّمتك الدعوات ، أما اتّقيت الله في أمانة وضعت عندك ، خنت أهلها وأنت أعبد بني إسرائيل ، ما استحييت من الله ، أما راقبته في دينك ، فلم يزل يعيّره ويوبخه.
ثم قال له : وما كفاك ما صنعت حتى أقررت على نفسك ، فضحت أشياخك ، فإن متّ في هذه الحالة لم تفلح أبدا. قال : فكيف أصنع؟ قال : تطيعني في خصلة حتى أنجّيك مما أنت فيه ، وآخذ بأعينهم وأخرجك من مكانك ، قال : وما هي؟ قال : تسجد لي سجدة واحدة ، قال : كيف أسجد لك وأنا مصلوب على هذه الحالة؟ قال : أكتفي منك بالإيماء ، فأومأ بالسّجود فكفر بذلك ، فقال : يا برصيصا هذا الذي أردت منك أن صارت عاقبتك إليّ أن كفرت بربك ، إنّي بريء منك ، (إِنِّي أَخافُ اللهَ رَبَّ الْعالَمِينَ) (١٦) ؛ ثم ذهب عنه وتركه فقتل.