قوله تعالى : (يَوْمَ يَبْعَثُهُمُ اللهُ جَمِيعاً ؛) انتصب على الظّرفية من قوله (أولئك أصحاب النّار) (فَيَحْلِفُونَ لَهُ ؛) أي يحلفون لله يومئذ أنّهم كانوا مخلصين في الدّنيا ، (كَما يَحْلِفُونَ لَكُمْ وَيَحْسَبُونَ ؛) يومئذ ؛ (أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ ؛) على صواب ، (أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) (١٨) ؛ عند الله في حلفهم.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنهما قال : قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ينادي مناد يوم القيامة : أين خصماء الله ، فيقوم القدريّة مسودّة وجوههم مزرقّة أعينهم ، مائلة أشداقهم يسيل لعابهم ، يقولون : والله ما عبدنا من دونك شمسا ولا قمرا ولا صنما ولا وثنا ولا اتّخذنا من دونك إلها].
قال ابن عبّاس : (صدقوا والله ؛ أتاهم الشّرك من حيث لا يعلمون) ثمّ تلا ابن عبّاس هذه الآية (وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ عَلى شَيْءٍ أَلا إِنَّهُمْ هُمُ الْكاذِبُونَ) هم والله القدريّون ، هم والله القدريّون) (١).
وقوله تعالى : (اسْتَحْوَذَ عَلَيْهِمُ الشَّيْطانُ ؛) أي غلب عليهم واستولى عليهم وحولهم ، (فَأَنْساهُمْ ذِكْرَ اللهِ ؛) أي شغلهم عن ذكر الله وعن طاعته حتى تركوه وصاروا إلى الخسران ، (أُولئِكَ حِزْبُ الشَّيْطانِ ؛) أي جنده ، (أَلا إِنَّ حِزْبَ الشَّيْطانِ هُمُ الْخاسِرُونَ) (١٩).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ يُحَادُّونَ اللهَ وَرَسُولَهُ ؛) أي يخالفون الله ورسوله ، (أُولئِكَ فِي الْأَذَلِّينَ) (٢٠) ؛ أي في المغلوبين المقهورين ، ومن جملة من يلحقهم الذلّ في الدّنيا والآخرة.
قوله تعالى : (كَتَبَ اللهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي ؛) أي كتب ذلك في اللوح المحفوظ ، وقال الحسن : (ما أمر نبيّ بحرب فغلب قطّ ، وإنّ الرّسل على نوعين : منهم من بعث بالحرب ، ومنهم من بعث بغير حرب ، فهو غالب بالحجّة) (٢) ، وقال تعالى :
__________________
(١) ذكره ابن عطية في المحرر الوجيز : ص ١٨٣٧ وعزاه للثعلبي. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ٣٠٥. وأخرجه الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٦٣.
(٢) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٨٩ ، وعزاه للزجاج.