(وَإِنَّ جُنْدَنا لَهُمُ الْغالِبُونَ)(١). وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢١) ؛ أي مانع حزبه من أن يذلّ ، عزيز غالب لمن نازع أولياءه.
قوله تعالى : (لا تَجِدُ قَوْماً يُؤْمِنُونَ بِاللهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ يُوادُّونَ مَنْ حَادَّ اللهَ وَرَسُولَهُ وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ أَوْ أَبْناءَهُمْ أَوْ إِخْوانَهُمْ أَوْ عَشِيرَتَهُمْ ؛) نزلت هذه الآية في حاطب بن أبي بلتعة ، وذلك أنّه كتب إلى أهل مكّة : أنّ محمّدا يريد أن يغزوكم فاستعدّوا له ، فأعلم الله تعالى نبيّه عليهالسلام بذلك. فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما دعاك يا حاطب إلى ما فعلت؟] فقال : أحببت أن أتقرّب إلى أهل مكّة لمكان عيالي فيهم ، ولم يكن على عيالي ذابّ هنالك. فأنزل الله هذه الآية (٢).
ومعناها : لا تجد قوما يصدّقون بوحدانيّة الله تعالى وبالبعث بعد الموت يناصحون ويطلبون مودّة من خالف الله ورسوله في الدّين ، ولو كانوا أقاربهم في النّسب ، فإن البراءة واجبة من المحادّين لله. وسنذكر هذه القصّة أول سورة الممتحنة إن شاء الله تعالى.
أخبر الله تعالى بهذه الآية : أنّ إيمان المؤمنين يفسد بمودّة الكفّار ، وإنّ من كان مؤمنا لا يوالي من كفر ، وإن كان أباه أو ابنه أو أخاه أو أحدا من عشيرته. وعن عبد الله بن مسعود في هذه الآية أنّه قال : (قتل أبو عبيدة أباه يوم أحد) (٣) ، فمعنى قوله (وَلَوْ كانُوا آباءَهُمْ).
وقوله (أَوْ أَبْناءَهُمْ) يعني أبا بكر رضي الله عنه دعا ابنه يوما إلى البراز وقال : (دعني يا رسول الله أكرّ عليه) فقال له النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : [متّعنا بنفسك يا أبا بكر ، أما تعلم أنّك عندي بمنزلة سمعي وبصري](٤).
__________________
(١) الصافات / ١٧٣.
(٢) قاله مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٣٣٦.
(٣) في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٦٤ ؛ قال الثعلبي : (وروى مقاتل بن حيان عن مرّة الهمذاني عن عبد الله بن مسعود في هذه الآية).
(٤) ذكره الواحدي في أسباب النزول : ص ٢٧٨. وعزاه ابن حجر في تخريج الكشاف : ج ٤ ص ٤٩٧ إلى الثعلبي في تفسيره. وذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ٣٠٧ ـ ٣٠٨. وعزاه الثعلبي إلى مقاتل بن حيان كما في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٦٤.