ثمّ جعلت تراجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم وهو يقول : [حرمت عليه] فقالت : أشكوا إلى الله فاقتي وشدّة حالي. فنزل الوحي على رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، فلمّا قضى الوحي ، قال رسول الله صلىاللهعليهوسلم : [ادعي زوجك] فتلا عليه النّبيّ صلىاللهعليهوسلم : (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ)(١).
وروي : أنّ خولة لمّا أتت النّبيّ صلىاللهعليهوسلم فقالت له : يا رسول الله إنّ أوسا تزوّجني وأنا شابّة مرغوب فيّ ، فلمّا خلا سنّي ورقّ عظمي ونثرت ذا بطني جعلني عليه كأمّه ، ثمّ ندم على قوله ، ولي منه صبية صغار ؛ إن ضممتهم إليه ضاعوا ، وإن ضممتهم إليّ جاعوا ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما عندي في أمرك شيء] فقالت : زوجي وابن عمّي وأبو أولادي وأحبّ النّاس إليّ ، وهو شيخ كبير لا يستطيع أن يخدم نفسه ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما أراك إلّا قد حرمت عليه].
فقالت : يا رسول الله لا تقل ذلك ؛ إنّه ما ذكر طلاقا وإنّما قال كلمة ، فقال صلىاللهعليهوسلم : [ما أمرت في شأنك بشيء ، وإن نزل في شأنك شيء بيّنته لك] فهتفت وبكت وجعلت تراجع رسول الله صلىاللهعليهوسلم ، ثمّ قالت : اللهمّ إنّي أشكو إليك شدّة وجدي وما يشقّ عليّ من فراقه ، ورفعت يدها إلى السّماء تدعو وتتضرّع.
فبينما هي كذلك ، إذ تغشّى رسول الله صلىاللهعليهوسلم الوحي ، فلمّا سرى عنه قال : [يا خولة قد أنزل الله فيك وفي زوجك القرآن](٢) ثمّ تلا (قَدْ سَمِعَ اللهُ قَوْلَ الَّتِي تُجادِلُكَ فِي زَوْجِها وَتَشْتَكِي إِلَى اللهِ وَاللهُ يَسْمَعُ تَحاوُرَكُما إِنَّ اللهَ سَمِيعٌ).
معناه : قد سمع الله قول المرأة التي تسائلك وتخاصمك في أمر زوجها ، وترفع إلى الله ما بها من المكروه ، والله يسمع تحاوركما ومراجعتكما ، إنّ الله سميع لمقالتكما عليم بأمرها وأمر زوجها. والتّحاور : تراجع الكلام.
__________________
(١) ذكر البخاري شطرا منه معلقا في الصحيح : كتاب التوحيد : الحديث (٧٣٨٥). وأخرج بعضه ابن ماجة في السنن : كتاب السنة : الحديث (١٨٨) ، وكتاب الطلاق : الحديث (٢٠٦٣). والحاكم في المستدرك : كتاب التفسير : الحديث (٣٨٤٣). وأخرجه الطبري في جامع البيان : الحديث (٢٦١٠٨ ـ ٢٦١٢٠) بأسانيد عديدة وألفاظ. والإمام أحمد في المسند : ج ٦ ص ٤٦ ، وإسناده صحيح. وبطوله ذكره الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٥٣.
(٢) ينظر ما قبله.