قُلُوبِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ ؛) الحواريّين وأتباعهم ، (رَأْفَةً وَرَحْمَةً ؛) يعني المودّة ، كانوا متوادّين بعضهم لبعض كما وصف الله تعالى أصحاب محمّد صلىاللهعليهوسلم بقوله تعالى (رُحَماءُ بَيْنَهُمْ)(١).
قوله تعالى : (وَرَهْبانِيَّةً ابْتَدَعُوها ؛) ليس بعطف على ما قبله ، وانتصابه بفعل مضمر يدلّ عليه ما بعده ، كأنه قال : وابتدعوا رهبانية ؛ أي جاءوا بها من قبل أنفسهم ، وهو قوله تعالى : (ما كَتَبْناها عَلَيْهِمْ إِلَّا ابْتِغاءَ رِضْوانِ اللهِ ؛) معناه : ما فرضناها عليهم تلك الرهبانيّة ، بل هي غلوّهم في العبادة من حمل المشاقّ على أنفسهم ، وهي الامتناع من المطعم والمشرب والملبس والنّكاح والتعبّد في الجبال ، ما فرضنا عليهم ذلك إلّا أنّهم طلبوا بها رضوان الله. وقيل : معناها : ما فرضنا عليهم إلّا اتباع ما أمر الله.
قوله تعالى : (فَما رَعَوْها حَقَّ رِعايَتِها ؛) أي قصّروا فيما ألزموه أنفسهم ولم يحفظوها حقّ الحفظ ، ويقال : إنه لمّا لم يؤمنوا بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم حين بعث كانوا تاركين لطاعة الله تعالى غير مراعين لها فضيّعوها وكفروا بدين عيسى بن مريم ، وتهوّدوا وتنصّروا وتركوا الترهيب.
قوله تعالى : (فَآتَيْنَا الَّذِينَ آمَنُوا مِنْهُمْ أَجْرَهُمْ ؛) وهم الذين أقاموا على دين عيسى حتى أدركوا محمّدا صلىاللهعليهوسلم فآمنوا به فأعطيناهم ثوابهم ، قال صلىاللهعليهوسلم : [من آمن بي وصدّقني واتّبعني فقد رعاها حقّ رعايتها ، ومن لم يتّبعني فأولئك هم الهالكون](٢). قوله تعالى : (وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٧) ؛ معناه : وكثير منهم خالفوا دين عيسى فقالوا هو ابن الله أو نحوا من هذا القول.
__________________
(١) الفتح / ٢٩.
(٢) إسناده حسن ، في الدر المنثور : ج ٨ ص ٦٤ ـ ٦٥ ؛ قال السيوطي : (أخرجه عبد بن حميد والحكيم الترمذي في نوادر الأصول وأبو يعلى وابن جرير وابن المنذر وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه ، وابن مردويه والبيهقي في شعب الايمان وابن عساكر من طرق عبد الله بن مسعود) وذكره مطولا. وفي مجمع الزوائد : ج ١ ص ١٦٣ ؛ قال الهيثمي : (رواه الطبراني بإسنادين رجال أحدهما رجال الصحيح غير بكير بن معروف وثقه أحمد وغيره ، وفيه ضعف).