قوله تعالى : (لَقَدْ أَرْسَلْنا رُسُلَنا بِالْبَيِّناتِ ؛) أي بالآيات والحجج ، (وَأَنْزَلْنا مَعَهُمُ الْكِتابَ ؛) الذي يتضمّن الأحكام ، وقوله تعالى : (وَالْمِيزانَ) يعني العدل ؛ أي أمر بالعدل ، وقيل : يعني الذي يوزن به ؛ أي أمرنا بالميزان ، (لِيَقُومَ النَّاسُ بِالْقِسْطِ ؛) أي ليتعاملون بينهم بالعدل والنّصفة.
وقوله تعالى : (وَأَنْزَلْنَا الْحَدِيدَ فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ ؛) قال ابن عبّاس : (نزل آدم من الجنّة ومعه الإبرة والمطرقة والكلبتين) (١). وقيل : المراد بإنزال الحديد أنه خلقه الله في الجبال والمعادن. وقوله تعالى (فِيهِ بَأْسٌ شَدِيدٌ) أي قوّة شديدة ، لا يليّنه إلّا النار. قوله تعالى : (وَمَنافِعُ لِلنَّاسِ) يعني الفؤوس والسكاكين والإبرة وآلة الحرب وآلة الدفع يعني السّلاح.
قوله تعالى : (وَلِيَعْلَمَ اللهُ مَنْ يَنْصُرُهُ وَرُسُلَهُ بِالْغَيْبِ ؛) أي وليعلم الله من ينصر دينه وينصر رسله بهذه الأسلحة ، والله سبحانه لم يزل عالما بمن ينصر ومن لا ينصر ؛ لأن علم الله لا يكون حادثا ، لأنّ المراد بهذا العلم الإظهار والتمييز. وقوله تعالى (بالغيب) معناه : ولم ير الله ولا أحكام الآخرة.
وقوله تعالى : (إِنَّ اللهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ) (٢٥) ؛ فيه بيان أنه تعالى لم يأمر بالجهاد عن ضعف وعجز ، إنما أمر به ليثيبنا عليه. وما بعد هذا : (وَلَقَدْ أَرْسَلْنا نُوحاً وَإِبْراهِيمَ وَجَعَلْنا فِي ذُرِّيَّتِهِمَا النُّبُوَّةَ وَالْكِتابَ فَمِنْهُمْ مُهْتَدٍ وَكَثِيرٌ مِنْهُمْ فاسِقُونَ) (٢٦) ، ظاهر المعنى.
وقوله تعالى : (ثُمَّ قَفَّيْنا عَلى آثارِهِمْ بِرُسُلِنا ؛) أي أتبعنا الرّسل على إثر نوح وإبراهيم ومن كان من الرّسل من أولادهما ، (وَقَفَّيْنا بِعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ وَآتَيْناهُ الْإِنْجِيلَ) ؛ أي أتبعنا به وأعطيناه الإنجيل دفعة واحدة ، (وَجَعَلْنا فِي
__________________
(١) في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ٢٦١ ؛ قال القرطبي : (قال الثعلبي : قال ابن عباس : (نزل آدم من الجنة ومعه من الحديد خمسة أشياء من آلة الحدادين : السّندان ، والكلبتان ، والميقعة ، والمطرقة ، والإبرة) وحكاه القشيري وقال : والميقعة : ما يحدد به). وذكره الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ٢٤٦.