ثم بيّن الله تعالى أنّ لكلا الفريقين الحسنى وهو الجنة ، إلّا أنّهم متفاوتون في الدّرجات فقال : (وَكُلًّا وَعَدَ اللهُ الْحُسْنى ؛) أي وكلا الفريقين وعد الله الجنة ، وقرأ ابن عامر (وكلّ) بالرفع على الاستئناف على لغة من يقول : زيد ضربت. وقوله تعالى : (وَاللهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) (١٠) ؛ أي عالم بما يعمله كلّ واحد منكم.
قوله تعالى : (مَنْ ذَا الَّذِي يُقْرِضُ اللهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضاعِفَهُ لَهُ وَلَهُ أَجْرٌ كَرِيمٌ) (١١) ؛ قد تقدّم تفسيره في البقرة. قال أهل العلم : القرض الحسن أن يكون من الحلال ؛ لأنّ الله طيّب لا يقبل إلّا طيّبا ، وأن يكون من أحسن ما يملكه دون أن يقصد الرديء لقوله تعالى (لا تَيَمَّمُوا الْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ)(١) ، وأن يتصدّق وهو لحب المال ويرجو الحياة ؛ لأنّ النبيّ صلىاللهعليهوسلم سئل عن أفضل الصّدقات فقال : [أن تتصدّق وأنت صحيح شحيح تأمل الغنى وتخشى الفقر ، ولا تمهل حتّى إذا بلغت الحلقوم ، قلت : لفلان كذا ولفلان كذا ، وأن تضع الصّدقة في الأحوج الأولى](٢). وأن يكتم الصدقة ما أمكن لقوله (وَإِنْ تُخْفُوها وَتُؤْتُوهَا الْفُقَراءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَكُمْ)(٣) ، وإن لا يتبع الصدقة المنّ والأذى لقوله تعالى (لا تُبْطِلُوا صَدَقاتِكُمْ بِالْمَنِّ وَالْأَذى)(٤) ، وأن يقصد بها وجه الله ولا يرائي بها ، وأن يستحقر ما يعطي وإن كثر ؛ لأن الدّنيا كلها قليلة ، قال الله تعالى : (قُلْ مَتاعُ الدُّنْيا قَلِيلٌ)(٥) وأن يكون من أحب ماله ، قال الله تعالى : (لَنْ تَنالُوا الْبِرَّ حَتَّى تُنْفِقُوا مِمَّا تُحِبُّونَ)(٦). وهذه تسعة أوصاف إذا استكملتها الصدقة كانت قرضا حسنا.
__________________
(١) البقرة / ٢٦٧.
(٢) إسناده صحيح ، أخرجه الإمام أحمد في المسند : ج ٢ ص ٢٥ و ٢٣١ و ٤١٥ و ٤٤٧. والبخاري في الصحيح : كتاب الزكاة : باب فضل صدقة الصحيح الشحيح : الحديث (١٤١٩) ، وفي كتاب الوصايا : باب الصدقة عند الموت : الحديث (٢٧٤٨). ومسلم في الصحيح : كتاب الزكاة : باب أن أفضل الصدقة صدقة الصحيح الشحيح : الحديث (١٠٣٢).
(٣) البقرة / ٢٧١.
(٤) البقرة / ٢٦٤.
(٥) النساء / ٧٧.
(٦) آل عمران / ٩٢.