قوله تعالى : (وَلِمَنْ خافَ مَقامَ رَبِّهِ جَنَّتانِ) (٤٦) ؛ معناه : ولمن خاف وقوفه في عرضات القيامة بين يدي الله تعالى ، فترك المعصية رهبة من الله تعالى له جنّتان بستانان من الياقوت الأحمر والزمرّد الأخضر ، ترابهما الكافور والعنبر ، وحصاهما المسك الأذفر ، كلّ بستان منهما مسيرة مائة سنة ، في وسط كلّ بستان دار من نور ، وقال محمّد بن علي الترمذي (١) : (جنّة داخل قصره لخوفه ، وجنّة خارج قصره لتركه) (٢) ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٧).
وفي الحديث : [أنّ هذه الآية نزلت في من دعته نفسه إلى المعصية ، فإذا تمكّن منها وقدر عليها وتذكّر ما في ارتكابها من العقاب ، وما في تركها من الثّواب ، فتركها فله جنّتان](٣) هذه صفتهما : (ذَواتا أَفْنانٍ) (٤٨) ؛ أي ذواتا أغصان ، واحدها فنن وهو الغصن المستقيم طولا. وقال الزجّاج : (الأفنان : الألوان والأغصان) (٤) أي ذواتي الألوان وأصناف من الفاكهة لا يعدم فيه لون من ألوانها ، واحدها فنّ ، وجمع عطاء بين القولين فقال : (يريد في كلّ غصن فنون من الفاكهة) (٥) ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٩).
وفي ذكر الأغصان بيان كثرة الأشجار ، وبكثرة الأشجار تمام حال البستان ، فإنّ البستان لا يكمل إلّا بكثرة الأشجار ، والأشجار لا تحسن إلّا بكثرة الأغصان ، (فِيهِما عَيْنانِ تَجْرِيانِ) (٥٠) ؛ أي في البساتين عينان تجريان ، إحداهما : السّلسبيل ، والأخرى : التّسنيم ، تجريان في غير شقّ ولا أخدود. (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٥١).
__________________
(١) محمد بن علي بن الحسن المؤذن ، أبو عبد الله الترمذي المعروف بالحكيم. كان إماما من أئمة المسلمين ، له المصنفات في أصول الدين ومعاني الأحاديث ، وله كتاب (نوادر الأصول) ينظر : المستفاد من ذيل تاريخ بغداد : ج ٢١ ص ٢٠ : الرقم (١٨).
(٢) ذكره الثعلبي عنه في الكشف والبيان : ج ٩ ص ١٨٩ : بلفظ : (جنة لخوفه ربّه ، وجنّة بتركه شهوته).
(٣) على ما يبدو أن هذا ليس لفظ حديث ، وإنما هو معنى المراد يطلبه المصنف رحمهالله. ولم أقف على لفظ أصله.
(٤) قاله الزجاج في معاني القرآن وإعرابه : ج ٥ ص ٨١.
(٥) ذكره البغوي أيضا في معالم التنزيل : ص ١٢٦٣.