قوله تعالى : (فَيَوْمَئِذٍ لا يُسْئَلُ عَنْ ذَنْبِهِ إِنْسٌ وَلا جَانٌ) (٣٩) ؛ يسأل سؤال استفهام ؛ لأنّ الله تعالى يظهر على كلّ مجرم علامة تدلّ على معصيته ، وعلى كلّ مطيع علامة على إطاعته ، لأنّ الله تعالى قال بعد هذه الآية : (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ (٤٠) يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ ؛) أي بعلامتهم من سواد الوجوه وزرقة الأعين ، (فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) (٤١) ، فيجعل أقدامهم مغلولة إلى نواصيهم من خلف ويلقون في النار كذلك ، والناصية : شعر مقدم الرّأس ، (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٢).
ويقال للمجرمين عند ما يقذفون في النار : (هذِهِ جَهَنَّمُ الَّتِي يُكَذِّبُ بِهَا الْمُجْرِمُونَ) (٤٣) ؛ يعني المشركين. قوله تعالى : (يَطُوفُونَ بَيْنَها وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ) (٤٤) ؛ معناه : يطوفون بين أطباق النّيران وبين ماء حارّ قد انتهى حرّه ، إذا استغاثوا من الحميم من النار ، جعل غياثهم الحميم الآخر ، وإذا استغاثوا من الحميم جعل غياثهم النار ، فيطاف بهم مرّة إلى الحميم ومرّة إلى النار.
يقال : آنى يأني أنا فهو آن ، إذا انتهى في النّضج والحرارة ، قال قتادة : (طبخ منذ خلق الله السّموات والأرض) (١). حدّثنا المردوية الصانع قال : صلّى بنا الإمام صلاة الصّبح ، فقرأ فيها سورة الرّحمن ومعنا عليّ بن الفضيل (٢) ، فلما قرأ (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ) خرّ مغشيّا عليه حتى فزعنا من الصّلاة ، فقلنا له بعد ذلك : يا عليّ أما سمعت الإمام يقول (حُورٌ مَقْصُوراتٌ فِي الْخِيامِ) قال : شغلني عنها (يُعْرَفُ الْمُجْرِمُونَ بِسِيماهُمْ فَيُؤْخَذُ بِالنَّواصِي وَالْأَقْدامِ)(٣). (فَبِأَيِّ آلاءِ رَبِّكُما تُكَذِّبانِ) (٤٥).
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥٦٠٤).
(٢) علي بن الفضيل بن عياض ، قال النسائي : (ثقة ، مأمون) ترجم له ابن حجر في تهذيب التهذيب : الرقم (٤٩٣٣) ، وقال : (قال ابن المبارك : خير الناس يعني في ذلك الوقت فضيل بن عياض ، وابنه علي خير منه ، وأخباره في الخوف شهيرة ، وفضائله كثيرة).
(٣) ذكره القصة أبو نعيم في حلية الأولياء وطبقات الأصفياء : ج ٨ ص ٢٩٧ ، ترجمة علي بن الفضيل.