ويقال في معنى (تَنْزِعُ النَّاسَ) لأنّهم ضربوا بأرجلهم في الأرض فغيّبوها إلى قريب من ركوبهم وقالوا : قل للرّيح حتى يرفعنا ، فجعلت الريح تدخل تحت أقدامهم وترفع كلّ اثنين وتضرب بأحدهما إلى الآخر في الهواء ، ثم تلقيهما في الوادي ، والباقون ينظرون إليهم حتى رفعتهم كلّهم وصيّرتهم في الأرض (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) أي ساقط ، ثم رمت بالتّراب عليهم ، فكان يسمع أنينهم من تحت التّراب.
يقال : قعر النّخلة إذا قلعتها من أصلها حتى تسقط ، شبّههم في طولهم حين صرعتهم الريح وكبّتهم على وجوههم بالنّخلة الساقطة على الأرض التي ليس لها رؤوس ، وذلك أنّ الريح قلعت رؤوسهم أوّلا ثم كبّتهم على وجوههم.
قوله تعالى : (فَكَيْفَ كانَ عَذابِي وَنُذُرِ (٢١) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ) (٢٢) ؛ إنما كرّره لأنه ذكر في كلّ فصل نوعا من الإنذار والتّعذيب ، انعقد التذكير شيء شيء منه على التفصيل.
قال ابن الأنباريّ : (وسئل المبرّد عن ألف مسألة هذه من جملتها : وهو أنّ السّائل قال له : ما الفرق بين قوله (جاءَتْها رِيحٌ عاصِفٌ)(١) وقوله تعالى (وَلِسُلَيْمانَ الرِّيحَ عاصِفَةً)(٢) ، وقوله تعالى : (كَأَنَّهُمْ أَعْجازُ نَخْلٍ مُنْقَعِرٍ) و (أَعْجازُ نَخْلٍ خاوِيَةٍ)(٣) ، فقال : كلّ ما ورد عليك من هذا الباب فلك أن تردّه إلى اللّفظ تذكيرا ، ولك أن تردّه إلى المعنى تأنيثا) (٤).
قوله تعالى : (كَذَّبَتْ ثَمُودُ بِالنُّذُرِ) (٢٣) ؛ أي بالإنذار الذي جاءهم به صالح عليهالسلام ، (فَقالُوا أَبَشَراً مِنَّا واحِداً نَتَّبِعُهُ ؛) أي هو آدميّ مثلنا وهو واحد فلا نكون له تبعا ، (إِنَّا إِذاً ؛) إن فعلنا ذلك ، (لَفِي ضَلالٍ ؛) وذهاب عن الحقّ ، (وَسُعُرٍ) (٢٤) ؛ أي وشقاء وشدّة عذاب مما يلزمنا من طاعته ، وقال عطاء :
__________________
(١) يونس / ٢٢.
(٢) الأنبياء / ٨١.
(٣) الحاقة / ٧.
(٤) ذكره أيضا الثعلبي في الكشف والبيان : ج ٩ ص ١٦٦. ونقله القرطبي أيضا في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ١٣٧.