(معنى قوله (وسعر) أي وجنون ، من قولهم : ناقة مسعورة ؛ إذا كان بها جنون من النّشاط ، وهو من سعر النّار إذا التهبت) (١).
قوله تعالى : (أَأُلْقِيَ الذِّكْرُ عَلَيْهِ مِنْ بَيْنِنا ؛) أنكروا أن يكون الوحي يأتيه ، فقالوا : كيف خصّ من بيننا بالنّبوّة والوحي ، (بَلْ هُوَ كَذَّابٌ أَشِرٌ) (٢٥) ؛ فيما يقول ، (أشر) أي بطر متكبر يريد أن يتكبّر علينا بالنبوّة ، قال الله تعالى : (سَيَعْلَمُونَ غَداً ؛) حين ينزل بهم العذاب ، يعني يوم القيامة ، (مَنِ الْكَذَّابُ الْأَشِرُ) (٢٦) ؛ أهم أم صالح؟
قوله تعالى : (إِنَّا مُرْسِلُوا النَّاقَةِ فِتْنَةً لَهُمْ ؛) أي إنّا مخرجو الناقة من الصّخرة تشديدا عليهم في التكليف ، وذلك أنّهم تعنّتوا صالحا فسألوا أن يخرج لهم من صخرة حمراء عشراء ، وقوله : (فَارْتَقِبْهُمْ ؛) أي فانتظرهم ما هم صانعون ، (وَاصْطَبِرْ) (٢٧) ؛ على أذاهم ولا تعجل حتى يأتيهم أمري.
قوله : (وَنَبِّئْهُمْ أَنَّ الْماءَ قِسْمَةٌ بَيْنَهُمْ ؛) أي أخبرهم أنّ الماء مقسوم بين الناقة وولدها ، وبينهم وبين مواشيهم ، يوم لهما ويوم لهم. قوله تعالى : (كُلُّ شِرْبٍ مُحْتَضَرٌ) (٢٨) ؛ أي كلّ منهم يحضر نوبته ، فتحضر الناقة وولدها يوم نوبتهما ، ويحضر القوم يوم نوبتهم. والشّرب : نصيب من الماء ، والشّرب ـ بضم الشّين ـ : فعل الشّارب.
قوله تعالى : (فَنادَوْا صاحِبَهُمْ ؛) أي نادوا قدار بن سالف عاقر الناقة ، (فَتَعاطى فَعَقَرَ) (٢٩) ؛ وذلك أنّهم لمّا مكثوا قسمة الماء زمانا ، ثم ضاق عليهم الأمر على مواشيهم بسبب الناقة ، غلب عليهم الشّقاء ، وتواطأ طائفة منهم على قتلها ، فنادوا صاحبهم الذي كمن لهما.
وذلك أنه رماها رجل منهم يقال له : مصدع بن دهر بسهم فضربها على ساقها ، فنادوا قدار بن سالف ، وقالوا له : دونك الناقة قد مرّت بك فاضربها ، فتعاطى قدار عقر الناقة ، فعقرها بأن ضرب ساقها الأخرى فسقطت على جنبها ، وقطّعوا
__________________
(١) ذكره القرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ١٣٨ ؛ ونسبه إلى ابن عباس رضي الله عنهما.