قوله تعالى : (كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنا ؛) أي كذبت قبل قومك قوم نوح كما كذبك قومك ، ونسبوا نوحا إلى الجنون ، كما نسبك قومك إلى الجنون ، (وَقالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ) (٩) ؛ أي فكذبوا عبدنا نوحا وقالوا : مجنون وزجروه عن دعائهم إياهم إلى الإيمان بالشّتم والوعيد ، ف (قالُوا لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يا نُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ)(١).
قوله تعالى : (فَدَعا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ) (١٠) ؛ معناه : فدعا نوح ربّه أنّي مغلوب بينهم ومقهور ، فانتقم لي ممّن كذبني ، ومعنى قوله تعالى (فانتصر) أي فانتقم منهم لدينك ، وإنما دعا عليهم بالهلاك بعد ما أذن له في الدّعاء.
فأجاب الله دعاءه فقال الله تعالى : (فَفَتَحْنا أَبْوابَ السَّماءِ بِماءٍ مُنْهَمِرٍ) (١١) أي بماء سيل منصبّ انصبابا شديدا لا ينقطع ، متدفّق مع كثرة شديدة ، قال الكلبيّ : (إنصبّ أربعين يوما). وقرئ (ففتّحنا) بالتشديد على تكثير الفعل ، وذكر الأبواب في الآية على معنى أنّ إجراء الماء كان بمنزلة جريانه كأنّه فتح عنه بابا كان مانعا له.
قوله تعالى : (وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُوناً ؛) أي شقّقنا الأرض عيونا ، (فَالْتَقَى الْماءُ ؛) ماء السّماء وماء الأرض ؛ (عَلى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ) (١٢) ؛ في اللّوح المحفوظ وهو هلاك القوم ، وقرأ الحجدري : (فالتقى الماءان).
قوله تعالى : (وَحَمَلْناهُ عَلى ذاتِ أَلْواحٍ وَدُسُرٍ) (١٣) ؛ معناه : وحملنا نوحا ومن آمن معه على سفينة ذات ألواح وهي خشباتها ، (ودسر) يعني المسامير يشدّ بها الألواح واحدها دسار ، والمعنى على سفينة ذات ألواح ومسامير. قوله تعالى : (تَجْرِي بِأَعْيُنِنا ؛) أي تجري بحفظنا ، ووحينا وأمرنا حتى لا يقع فيها شيء من الماء وتتكسّر ولا تغرق ، وقوله تعالى : (جَزاءً لِمَنْ كانَ كُفِرَ) (١٤) ؛ أي فعلنا ذلك من إنجائه وإغراقهم ثوابا لمن كفر به وجحد أمره ، وهو نوح عليهالسلام كفره قومه وجحدوا به ، وقرأ مجاهد (جزاء لمن كان كفر) بفتح الكاف والفاء ، يعني كان الغرق
__________________
(١) الشعراء / ١١٦.