دون الزّنى ، وقال ابن عبّاس : (اللّمم : النّظرة من غير تعمّد وهو مغفور ، فإن أعاد النّظر فليس بلمم وهو الذنب) (١).
قوله تعالى : (إِنَّ رَبَّكَ واسِعُ الْمَغْفِرَةِ ؛) أي إنّ رحمة ربك تسع جميع الذّنوب ، (هُوَ أَعْلَمُ بِكُمْ إِذْ أَنْشَأَكُمْ مِنَ الْأَرْضِ وَإِذْ أَنْتُمْ أَجِنَّةٌ فِي بُطُونِ أُمَّهاتِكُمْ) معناه : هو أعلم بكم من أنفسكم إذ خلق أباكم آدم من التراب. والجنين : ما كنتم صغارا في أرحام أمّهاتكم علم عند ذلك ما يستحصل منكم ، والأجنّة : جمع جنين ، والمعنى : علم الله من كلّ نفس ما هي صانعة ، وإلى ما هي صائرة ، (فَلا تُزَكُّوا أَنْفُسَكُمْ ؛) بما ليس فيها ولا تبرّؤونها من العيوب التي فيها.
وقيل : معناه : لا تزكّوا أنفسكم بما عملتم ، لا يقولنّ رجل : عملت كذا ، وتصدّقت بكذا ؛ ليكون أبلغ بالخضوع وأبعد من الرّياء. وقيل : معناه : لا تبرّؤا أنفسكم من الآثام وتمدحونها بحسن عملها ، (هُوَ أَعْلَمُ بِمَنِ اتَّقى) (٣٢) ؛ الشّرك وآمن وأطاع وأخلص العمل.
قوله تعالى : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى (٣٣) وَأَعْطى قَلِيلاً وَأَكْدى) (٣٤) ؛ يعني الوليد بن المغيرة ، أعرض عن التصديق بالنبيّ صلىاللهعليهوسلم وأعطى قليلا من الحقّ بلسانه ثم قطع ، وكان الوليد قد اتّبع النبيّ صلىاللهعليهوسلم على دينه ، فغيّره بعض المشركين فترك دينه ، فقال : إنّي خشيت من عذاب الله ، فضمن الذي عاينه إن هو أعطاه شيئا من ماله ورجع إلى شركه ، أن يحتمّل عنه العذاب ، ففعل. يعني رجع إلى الشّرك وأعطاه ذلك الرجل بعض ما كان ذكر له من المال ومنعه تمامه ، فأنزل الله هذه الآية : (أَفَرَأَيْتَ الَّذِي تَوَلَّى ، وَأَعْطى قَلِيلاً)(٢) أي أدبر عن إيمانه وأعطى صاحبه قليلا من المال الذي وعده به (وأكدى) أي بخل بالباقي.
__________________
(١) ذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٤٨ من كلام الحسين بن الفضل.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥٢٢٦ ـ ٢٥٢٢٧). وذكره مقاتل في التفسير : ج ٣ ص ٢٩٨.