قال المفسّرون : (أكدى) أي قطعه ولم يتمّ عليه ، وأصله من الكدية ، وهو حجر يظهر في البئر ويمنع من الحفر ويؤس من الماء ، قال الكلبيّ : (يقال : أكدى الحافر وأجبل ؛ إذا بلغ في الحفر الكدية والجبل).
قوله تعالى : (أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرى) (٣٥) ؛ أي يعلم أن صاحبه يتحمّل عنه عذابه. قوله تعالى : (أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِما فِي صُحُفِ مُوسى (٣٦) وَإِبْراهِيمَ الَّذِي وَفَّى) (٣٧) ؛ معناه : ألم يخبر بما كان مكتوبا في صحف موسى ؛ يعني التوراة ، وما في صحف إبراهيم (الَّذِي وَفَّى) أي تمّم وأكمل ما أمر به. وقيل : معناه : وإبراهيم الذي بلّغ قومه وأدّى إليهم ما أمر به.
وقيل : أكمل ما يجب لله عليه من الطاعة في كلّ ما أمر به وامتحن به كما في قوله تعالى : (وَإِذِ ابْتَلى إِبْراهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِماتٍ فَأَتَمَّهُنَ)(١). وقيل : معنى ذلك : أنّه كان عاهد أن لا يسأل مخلوقا قطّ خوفا بذلك ، حتى قال له جبريل في الوقت الذي أراد قومه أن يلقوه في النار : هل لك حاجة؟ أجابه : أمّا إليك فلا. وقيل : معناه : وفي رؤياه وقدم بذبح ابنه. وقيل : أدّى الأمانة ووفّى شأن المناسك.
قوله تعالى : (أَلَّا تَزِرُ وازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرى) (٣٨) ؛ هذا بيان لما في صحف موسى وإبراهيم الذي وفّى ، ومعناه : لا تحمل حاملة حمل أخرى ؛ أي لا تعذب نفس بذنب غيرها ، هذا إبطال لقول من ضمن الوليد أن يحمل عنه الإثم ، وهذا عامّ في كلّ شريعة.
وعن ابن عبّاس رضي الله عنه أنه قال : (كانوا قبل إبراهيم يأخذون الرّجل بذنب غيره ، ويأخذون الوليّ في القتل بابنه وأخيه وأبيه وعمّه وخاله ، والزّوج يقتل بامرأته ، والسّيّد بعبده ، فلمّا بعث محمّد صلىاللهعليهوسلم نهاهم عن ذلك وبلّغهم أن لا تزر وازرة وزر أخرى) (٢).
__________________
(١) البقرة / ١٢٤.
(٢) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٥٢٣٤). وذكره البغوي في معالم التنزيل : ص ١٢٤٩. والقرطبي في الجامع لأحكام القرآن : ج ١٧ ص ١١٣.