قوله تعالى : (أَمْ لِلْإِنْسانِ ما تَمَنَّى) (٢٤) ؛ أي ما اشتهى ، والمراد بالإنسان الكافر ، وكان الكفّار يعبدون الأصنام ، ويزعمون أنّها تشفع لهم عند الله ، ويتمنّون على الله الجنّة. والمعنى : أيظنّون أنّ لهم ما يتمنّون من شفاعة الأصنام ، وليس كما يظنّون ويتمنون ، بل (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) (٢٥) ؛ لا يعطي أحدا شيئا بالتمنّي ، وإنما يعطي بالحكمة وعلى سبيل الاستحقاق ، فيزيد من فضله من يشاء. وقيل : معناه (فَلِلَّهِ الْآخِرَةُ وَالْأُولى) أن لا يملك فيهما أحد شيئا إلّا بإذنه ، يعطي من يشاء ويحرم من يشاء.
قوله تعالى : (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ فِي السَّماواتِ لا تُغْنِي شَفاعَتُهُمْ شَيْئاً إِلَّا مِنْ بَعْدِ أَنْ يَأْذَنَ اللهُ لِمَنْ يَشاءُ وَيَرْضى) (٢٦) ؛ جمع الكناية لأن المراد بقوله (وَكَمْ مِنْ مَلَكٍ) الكثرة ، والمعنى : لا تغني شفاعتهم أحدا إلّا من بعد أن يأذن الله لهم في الشّفاعة ، ويرضى بشفاعتهم. ويقال : ويرضى المشفوع له ، وهذا كقوله (وَلا يَشْفَعُونَ إِلَّا لِمَنِ ارْتَضى)(١).
قوله تعالى : (إِنَّ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِالْآخِرَةِ لَيُسَمُّونَ الْمَلائِكَةَ تَسْمِيَةَ الْأُنْثى) (٢٧) يعني أنّهم قالوا : إنّ الملائكة بنات الله ، تعالى الله عمّا يقولون علوّا كبيرا. قوله تعالى : (وَما لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ ؛) أي ما لهم بتلك التّسمية من علم وما يستبقون أنّهم إناث ، (إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَإِنَّ الظَّنَّ لا يُغْنِي مِنَ الْحَقِّ شَيْئاً) (٢٨) ؛ أي لا يقوم الظنّ مقام الحقّ ، وهذا يدلّ على أن الظّانّ غير عالم ، وأنّ العبادة بالظنّ لا تدفع من عذاب الله شيئا.
قوله تعالى : (فَأَعْرِضْ عَنْ مَنْ تَوَلَّى عَنْ ذِكْرِنا ؛) أي أعرض يا محمّد عمّن أعرض عن القرآن ، (وَلَمْ يُرِدْ إِلَّا الْحَياةَ الدُّنْيا) (٢٩) ، أي ولم يرد بعلمه إلّا الحياة الدّنيا وزينتها ، وهذا مما نسخته آية القتال ، وقوله تعالى : (ذلِكَ مَبْلَغُهُمْ مِنَ الْعِلْمِ ؛) أي لم يبلغوا من العلم إلّا ظنّهم أنّ الملائكة بنات الله ، وأنّها تشفع لهم ، فاعتمدوا ذلك وأعرضوا عن القرآن.
__________________
(١) الأنبياء / ٢٨.