قوله تعالى : (الَّذِينَ هُمْ فِي غَمْرَةٍ ساهُونَ) (١١) ؛ نعت لهم ، والغمرة هي الجهل ، ومنه الغمر الجهل ، والسّاهي هو الغافل عن أمر الآخرة. والمعنى : الذين هم في غفلة وعمى وجهالة عن أمر الآخرة ، ساهون لاهون.
قوله تعالى : (يَسْئَلُونَ أَيَّانَ يَوْمُ الدِّينِ) (١٢) ؛ أي يسألون متى يكون الجزاء على وجه الإنكار ، يقولون : يا محمّد متى يوم الجزاء ، تكذيبا منهم واستهزاء ، فأجيبوا بما يسوءهم ، فقيل : (يَوْمَ هُمْ عَلَى النَّارِ يُفْتَنُونَ) (١٣) ؛ أي يحرقون وينضجون ويعذبون بها.
يقال : فتنت الذهب إذا أحرقت الغشّ الذي فيه ، والكفار غشّ كلّهم فيحرقون ، ويقول لهم خزنة النار : (ذُوقُوا فِتْنَتَكُمْ ؛) أي حريقكم وعذابكم ، (هذَا الَّذِي كُنْتُمْ بِهِ تَسْتَعْجِلُونَ) (١٤) ؛ في الدّنيا تكذيبا به. وإنّما لم يقل : فتنتكم هذه ؛ لأنّ الفتنة ههنا بمعنى العذاب ، فردّ الإشارة إلى المعنى.
قوله تعالى : (إِنَّ الْمُتَّقِينَ فِي جَنَّاتٍ وَعُيُونٍ (١٥) آخِذِينَ ما آتاهُمْ رَبُّهُمْ) أي قابلين ما أعطاهم ربّهم من كرامة في الجنّة. وقيل : معناه : عاملين بما أمرهم ربّهم في الدّنيا ، وقوله تعالى : (إِنَّهُمْ كانُوا قَبْلَ ذلِكَ مُحْسِنِينَ) (١٦) ؛ في الدّنيا في أعمالهم. وقوله تعالى : (كانُوا قَلِيلاً مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) (١٧) ؛ أي ما ينامون ، هذا بيان إحسانهم.
والهجوع : النّوم باللّيل دون النّهار ، و (ما) زائدة ، والمعنى : كانوا يهجعون قليلا من اللّيل ويصلّون أكثر اللّيل. وقيل : معناه : قلّ ليلة أتت عليهم هجعوها كلّها ، وقال مجاهد : (كانوا لا ينامون كلّ اللّيل) (١).
واختار قوم الوقف على قوله (كانُوا قَلِيلاً) على معنى : كانوا من الناس قليلا ، وهو قول الضحّاك ومقاتل (٢). ثم ابتدأ فقال : (مِنَ اللَّيْلِ ما يَهْجَعُونَ) وهذا على نفي النوم عنهم البتّة. وقيل : معناه : كانوا لا ينامون حتى يصلّوا العتمة ، وقال أنس بن
__________________
(١) أخرجه الطبري في جامع البيان : الأثر (٢٤٨٦٦).
(٢) ينظر : تفسير مقاتل : ج ٣ ص ٢٧٦.