وهو : عدنان ابن الرضي (١) ؛ لكشف الحال وإنهائه ، فكتبا بتصديق قول الكرخيين ، فأمر حينئذ الخليفة ونواب الرحيم بكفّ القتال ، فلم يقبلوا ، وانتدب ابن المذهب القاض والزهيري وغيرهما من الحنابلة أصحاب عبد الصمد بحمل العامّة على الإغراق في الفتنة ، فأمسك الملك الرحيم عن كفّهم غيظاً من رئيس الرؤساء لميله إلى الحنابلة ، ومنع هذه السنة من حمل الماء من دجلة إلى الكرخ ، وكان نهر عیسی قَدْ انفتح بثقه (٢) فعظم الأمر عليهم. وانتدب جماعة منهم وقصدوا دجلة ، وحملوا الماء وجعلوه في الظروف وصبّوا عليه ماء الورد ونادوا : الماء للسبيل. فأغروا به السُنّة.
وتشدد رئيس الرؤساء على الشيعة (٣) فمحوا : (خير البشر) وكتبوا : (عليهماالسلام). فقالت السُنّة : لا نرضى إلا أن يقلع الآجر الَّذي عليه محمّد وعلي ، وأن لا يؤذن : (حيَّ على خير العمل) ، وامتنع الشيعة من ذلك ، ودام القتال [من أول صفر] (٤) إلى ثالث ربيع الأول ، وقتل فيه رجل هاشمي من السُنّة ، فحمله أهله على نعش وطافوا به في الحربية وباب البصرة وسائر محال السُنّة. واستنفروا الناس للأخذ بثأره ، ثُمَّ دفنوه عند أحمد بن حنبل وقد اجتمع معهم خلق كثير أضعاف ما تقدَّم.
__________________
(١) الشريف عدنان هو ابن الشريف الرضي ، ولي النقابة بعد وفاة عمّه الشريف المرتضي. واستمر إلى أن توفي ببغداد سنة ٤٤٩ هـ.
(٢) انفتح بثقه : أي كسر سده. بثق السيل : أي خرق وشق. (العين ٥ : ١٣).
(٣) أبو القاسم ابن المسلمة علي بن الحسن بن أحمد وزير القائم بأمر الله مکث في الوزارة اثنتي عشرة سنة وشهراً ، قتله البساسیري سنة ٤٥٠. قال ابن كثير في تاريخه ١٢ : ٦٨ ما نصّه : (كان كثير الأذية للرافضة ، ألزم الروافض بترك الأذان بحي على خير العمل ، وأمروا أن ينادي مؤذنهم في أذان الصبح بعد حي على الفلاح : الصلاة خير من النوم. مرتين. وأزيل ما كان على أبواب المساجد وماجدهم من كتابة : محمّد وعلي خير البشر. وأمر رئيس الرؤساء بقتل أبي عبد الله بن الجلاب شيخ الروافض لما كان تظاهر به من الرفض والغلو فيه نقتل على باب دكانه ، وهرب أبو جعفر الطوسي ونهبت داره).
(٤) ما بين المعقوفين من المصدر.