فلمَّا رجعوا من دفنه ، قصدوا باب مشهد التبن (١) [أي مشهد الإمامین الكاظمين عليهماالسلام] (٢) فأغلق بابه فنقّبوا في سورها وتهدّدوا البوّاب فخافهم وفتح الباب فدخلوا ونهبوا ما في المشهد من قناديل ومحاريب ذهب وفضة وستور وغير ذلك. وأدركهم الليل فعادوا ، فلمَّا كان الغد كثر الجمع فقصدوا المشهد وأحرقوا جميع الترب والآزاج ، واحترق ضریح موسى وضریح ابن ابنه محمّد بن علي ، والجوار والقبتان الساج اللّتان عليهما ، واحترق ما يقابلهما ويجاورهما من قبور ملوك بني بويه معز الدولة وجلال الدولة ومن قبور الوزراء والرؤساء ، وقبر جعفر بن أبي جعفر المنصور ، وقير الأمين محمّد ابن الرشيد ، وقبر اُمّه زبيدة ، وجرى من الأمر الفظيع ما لم يجر في الدنيا مثله.
فلمَّا كان الغد ، خامس الشهر ، عادوا وحفروا قبر موسی بن جعفر ومحمّد بن علي لينقلوهما إلى مقبرة أحمد بن حنبل فحال الهدم بينهم وبين معرفة القبر فجاء الحفر إلى جانبه ، وسمع أبو تمّام نقيب العبَّاسيين وغيره من الهاشميين والسُنّة الخبر ، جاؤوا ومنعوا عن ذلك.
وقصد أهل الكرخ إلى خان الفقهاء الحنفيين فنهبوه وقتلوا مدرِّس الحنفية أبا سعد السرخسی ، وأحرقوا الخان ودور الفقهاء ، وتعدَّت الفتنة إلى الجانب الشرقي فاقتتل أهل باب الطاق وسوق بج والأساكفة وغيرهم ، ولما انتهى خبر إحراق المشهد إلى نور الدولة دبيس بن مزيد ، عظم عليه واشتد وبلغ منه كلَّ مبلغ ، لأنه وأهل بيته وسائر أعماله من النيل كلهم شيعة. فقطعت في أعماله خطبة الإمام القائم بأمر الله
__________________
(١) باب التبن : اسم محلة كبيرة ببغداد على الخندق وبها قبر عبد الله بن أحمد بن حنبل ويلصق هذا الموضع في مقابر قريش التي فيها قبر موسی الکاظم ، ويعرف قبره بمشهد باب التبن. (معجم البلدان ١ : ٣٠٦).
(٢) ما بين المعقوفين زيادة منا لإتمام المعنى.