سبب مهاجرة الشيخ من بغداد
وأما الفتنة التي أوجبت مهاجرة الشيخ من بغداد إلى النَّجف ، فظنّي أنها هي التي ذكرها ابنُ الأثير في حوادث سنة ٤٤٣ ، ولعلّها خمدت ثُمَّ استجدت في سنة ٤٤٨ ؛ لأنه ذكر زيادتها في أول سنة ٤٤٥ ، فمن المحتمل قوياً استمرارها إلى ذلك التاريخ. ولم استحضر ـ حالَ التحریر ـ تاریخ ابن کثير لأنظر ما فيه (١).
والمنقول عنه أنه : (وكان سبب هذه الفتنة أن أهل الكرخ شرعوا في عمل باب المساكين وأهل القلائين في عمل ما بقي من باب مسعود ، ففزع أهل الكرخ وعملوا أبراجاً كتبوا عليها بالذهب : (محمّد وعلي خير البشر).
وأنكر السُنّة ذلك وادعوا : أن المكتوب : (محمّد وعلي خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر).
وأنكر أهل الكرخ الزيادة وقالوا : ما تجاوزنا ما جرت به عادتنا فيما نكتبه علی مساجدنا ، فأرسل الخليفة القائم بأمر الله أبا تمام نقيب العبَّاسيين ، ونقيب العلويين ،
__________________
(١) في البداية والنهاية ١٢ : ٧ ، ما نصّه : (ثُمّ دخلت سنة ثلاث وأربعين وأربعمائة في صفر منها وقع الحرب بين الروافض والسُنّة ، فقتل من الفريقين خلق كثير ، وذلك أن الروافض نصبوا أبراجاً وكتبوا عليها بالذهب : محمّد وعلي خير البشر ، فمن رضي فقد شكر ، ومن أبى فقد كفر. فأنكرت السُنّة إقران علي مع محمّد صلی الله عليه وسلم في هذا ، فتشبت الحرب بينهم ، واستمر القتال بينهم إلى ربيع الأول ، فقتل رجل هاشمي فدفن عند الإمام أحمد ، ورجع السُنّة من دفنه فنهبوا مشهد موسی بن جعفر وأحرقوا من ضريح موسى ومحمّد الجواد ، وقبور بني بويه ، وقبور من هناك من الوزراء وأحرق قبر جعفر بن المنصور ، ومحمّد الأمين ، وأمّه زبيدة ، وقبور كثيرة جداً ، وانتشرت الفتنة وتجاوزوا الحدود ، وقد قابلهم أولئك الرافضة أيضاً بمفاسد كثيرة ، وبعثروا قبورا قديمة ، وأحرقوا من فيها من الصالحين ، حَتَّى همّوا بقبر الامام أحمد ، فمنعهم النقيب ، وخاف من غائلة ذلك ، وتسلّط على الرافضة عيّار يقال له : القطيعي ، وكان يتبع رؤوسهم وكبارهم فيقتلهم جهاراً وغيلة ، وعظمت المحنة بسببه جداً ، ولم يقدر عليه أحد ، وكان في غاية الشجاعة والبأس والمكر ، ولما بلغ ذلك دبيس بن علي بن مزید ـ وكان رافضياً ـ قطع خطبة الخليفة ، ثُمَّ روسل فأعادها).