ناظر إلى حصول الظن بالأول ؛ لأنَّ الفضل ما شهدت به الأعداء دون الثانی ؛ لأن الخصم لا عبرة بقدحه.
ترجمة صاحب المعالم
إذا عرفت ذلك فالحري بنا أن نقدِّم ترجمة شيخنا الماتن رحمهالله وذکر أحواله فإنّه مقدمة هذا الجيش فهو : المحقِّق جمال الدين أبو منصور ، كان فاضلاً محقِّقاً ، ومتقناً مدقِّقاً ، وزاهداً تقياً ، وعالماً رضياً ، وكاملاً ذكياً ، بلغ من التقوى والورع أقصاهما ، ومن الزهد والعبادة منتهاهما ، ومن الفضل والكمال ذروتهما وأسناهما ، وحقّ على ابن الصقر أن يشبه الصقرا.
كان لا يحوز قوت أكثر من اُسبوع أو شهر (١) ؛ لأجل القرب إلى مساواة الفقراء أو البعد عن التشبُّه بالأغنياء ، والشاهد على فضله ما حرَّره من التصانيف وحقّقه من التآليف ، فمن عرفها حقّ المعرفة أذعن بثبوت دعوى هذه الصفة.
كان رحمهالله ينكر كثرة التصنيف مع عدم تحريره ، ويبذل جهده في تحقيق ما الّفه وتحبيره ، تضلَّع من علوم الحديث والرجال والفقه والأُصول مستغنياً بما يحتاج إليه ممَّا سواها من المعقول والمنقول.
كان هو والسيِّد الجلیل صاحب المدارك السيِّد محمّد ابن اُخته ـ قدَّس الله روحيهما ـ في التحصيل كفرسي رهان ورضيعي لبان ، وكانا متقاربين في السنّ ، وبقي بعد السيِّد محمّد بقدر تفاوت ما بينهما في السن تقريباً ، وكتب على قبر السيِّد محمّد : مِّنَ الْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُوا مَا عَاهَدُوا اللَّـهَ عَلَيْهِ فَمِنْهُم مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ
__________________
(١) قال حفيده الشيخ علي بعد نقل هذه العبارة : الشك منّي فيما نقلت عن الثقات.