كلّ ذلك لما تقرر في محلّه من أنّ التعديل ممَّا يتوفر به الدواعي وتعمُّ به البلوي. فلو اقتصر فيه على العلم لزم المخالفة القطعية في كثير ممَّا ترتّب عليه من الأحكام ، فيجري فيه نظير دليل الانسداد ، كما في نظائره من الضرر والنسب ونحوها ، فيكفي فيه مجرد الظن القوي البالغ درجة السكون والاطمئنان ، مضافاً إلى ما تحقق من أنّ الظنون الرجالية معتبرة بقول مطلق عند من يعمل بمطلق الظن في الأحكام ، من غير حاجة إلى أنّ التعديل من باب الشهادة أو الرواية ، وذلك لأنّ الظن في باب الرجال يوجب الظن بالحكم الفرعي الكلّيّ ، فيعتبر من هذه الجهة وإن كان ظناً في الموضوع غير معتبر في حدّ نفسه ، مضافاً إلى ما يظهر من تتبُّع أحوال السلف من النبي صلىاللهعليهوآله والأئمة عليهمالسلام حيث جرت سيرتهم على حسن الظن وإلى الأخبار الظاهرة في ذلك.
وبالجملة ، لا عبرة بما هو المعروف في هذا الشأن من بناء المسألة على الخلاف في أنَّ التركية هل هي من باب الشهادة حَتَّى يعتبر فيها التعدُّد ، أو من باب الرواية حَتَّى يكتفي بواحد؟ بل المدار في باب التركية على صيرورة الخبر موثقاً به من أي سبب كان ، من غير اختصاص بتزكية العدل الواحد فضلاً عن عدلين ، بل تكفي تزكية غير الإمامي أيضاً لو أفاد قوله الظن ، كعلیّ بن الحسن بن فضّال ، وكذلك في باب الجرح ، بل بطريق أولى ؛ لأنّ الأصل عدم حجّية الخبر ، وما عن شيخنا البهائي رحمهالله من قبول تزكية غير الإمامي دون جرحه (١) لعله
__________________
(١) قال الميرزا القمّي في كتابه (قوانين الاُصول ص ٤٧٣) ، ما نصّه : (ونقل عن المحقِّق البهائي رحمهالله قول بالفرق بين التركية والجرح إذا صدر عن غير الإمام فيقبل الأوّل دون الثاني).