مطّلعاً على جميع أخبارهم ، عارفاً بجميع أحكامهم إلّا أنّه لما كان ذلك ممَّا يتعذَّر غالباً ، فالظاهر أنّ المراد ما تيسر بحسب الإمكان ، أو القدر الوافي منها ، أو ما يتعلق بتلك الواقعة ، ويؤيده ما في رواية أبي خديجة ، وقوله فيها : «يعلم شيئاً من قضايانا» (١).
وعلى كل حال فالمراد من المعرفة إمّا الفعلية أو القوَّة القريبة منها. وهذا هو المعبّر عنه بالفقيه الجامع لشرائط الفتوى والحكومة بين الناس. ولا يجوز لمن نزل عن هذه ال مرتبة التصدّي للحكومة ، وإن اطّلع على فتوى الفقهاء بلا خلافٍ ممَّن يعتبر بكلامه ، عدا بعض المتقدِّمين ، كالشيخ في المبسوط ، وبعض المتأخّرين كالسيد الجزائري ، والمحقِّق القمي ، وصاحب الجواهر (٢).
قال السيِّد الجزائري في الأنوار : (وقوله عليهالسلام : «فإنّي قَدْ جعلته عليكم حاكماً فليرضوا به» ، ممَّا استدل به الأصحاب على أنّ المجتهدين منصّبون من قبله عليهالسلام للقضاء ، فهم وكلاؤه والمعبِّرون عنه في هذه الأعصار».
ثُمَّ قال : (أقول : بل فيه دلالة أيضاً على أنّ من روى الأحاديث ، وعرف مواقعها كان له منصب القضاء ، وإن لم يكن مجتهداً بالمعنى الجديد للمجتهد ، فإنّ المعنى المعروف منه في الصدر السالف هو من بذل جهده وطاقته في دراية الأحكام
__________________
(١) تهذيب الأحكام ٦ : ٢١٩ ح ٥١٦ / ٨ ، وإليك تمام الخبر : عن أبي خديجة قال : قال لي أبو عبد الله عليهالسلام : «إياكم أن يحاكم بعضكم بعضاً إلى أهل الجور ، ولكن انظروا إلى رجل منكم يعلم شيئاً من قضايانا فاجعلوه بينكم فإني قَدْ جعلته قاضياً فتحاكموا إليه».
(٢) المبسوط ٨ : ٩٩ ـ ١٠١ ، جامع الشتات : فارسي عنه كتاب القضاء للكلبايكاني معرباً ١ : ٢٦ ، القضاء ، الأنوار النعمانية ٣ : ٥٤ ، جواهر الكلام ٤٠ : ١٥ ـ ٢٠.