فهذا جملة ما اطلعنا عليه من الأخبار التي تدلُّ على صحَّة علم النجوم وجواز التنجيم. وأنت خبير بوجه الجمع بين هذه وما تقدّم من الأخبار المانعة بحمل ما دل منها على المنع على ما ذكرناه واخترنا حرمته من معنى التنجيم في صدر العنوان ممَّا يرجع محصله إلى إنكار الصانع أو تعطيله عن التصرف ، وتفويض التدبير إلى الحركات الفلكيّة وغير ذلك ممَّا علم من الدين ضرورة أو أنها تفعل الآثار المنسوبة إليها والله سبحانه هو المؤثر الأعظم ، ومحصّله أن الكواكب فاعلة مختارة باختيار هو عين اختيار الله وإرادته ، صادرة عن أمره كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختيار بها ، بحيث يصدق أنّ الفعل فعلها وفعل الله ، فإنّ ظاهر أكثر العبارات التي قدّمنا ذكرها أيضاً تعطي بكفر من يدّعي ذلك ـ وإن كان الأقوى عندي عدمه تبعاً لشيخنا الشهيد رحمهالله في القواعد كما تقدّمت الإشارة إليه في عبارته ـ وكذلك العلّامة الأنصاري في مكاسبه ؛ لأنّ القدر المتيقَّن الَّذي قامت به الضرورة عدم نسبة الخلق والرزق والإحياء والإماتة وغيرها إلى غير الله من فاعل مختار باختيار مستقل كما هو ظاهر قول المفوّضة.
وأمّا استنادها إلى الفاعل بإرادة الله المختار بعين مشيّته واختياره حَتَّى يكون كالآلة بزيادة الشعور وقيام الاختياريّة ، بحيث يصدق أنّه فعله وفعل الله فلا ؛ إذ المخالف للضرورة إنكار نسبة الفعل إلى الله تعالى على وجه الحقيقة ، لا إثباته لغيره أيضاً بحيث يصدق أنّه فعله ولو مجازاً.
نعم ، لا دليل على ذلك فالقول به تخرّص ونسبة فعل الله إلى غيره بلا دليل وهو قبيح ومحرّم ، أو حملها على من يدّعي كون الكواكب كالآلة من غير شعور فيها ، لكنها مجبولة على الحركة طبق اختيار الصانع جلّت قدرته. فمن جهة