١ ـ يستدل بالآية على مذهبه الذي ذهب إليه في حكم من الأحكام من غير أن يبين أن هذا الحكم هو على مذهب معين :
فمثلا : عند تفسيره قول الله تعالى : (لا يَسْتَوِي الْقاعِدُونَ) [النساء : ٩٥] يقول : «وفيها دليل بأن الجهاد فرض على الكفاية ؛ لأنه وعد القاعد بالحسنى». (١)
وكذلك في تفسيره (سَواءً الْعاكِفُ فِيهِ وَالْبادِ) [الحج : ٢٥] ، يستدل على حكم ويدعم قوله بحديث عن النبي صلىاللهعليهوسلم ، فيقول : «يدل على أن المقيم برباع مكة ليس بأولى من الحاج. عن عبد الله بن عمرو بن العاص ، عن النبي عليهالسلام قال : «حرم مكة ، فحرام بيع رباعها ، وأكل ثمنها». وفي رواية : «وحرام أجر بيوتها».» (٢).
وقد يبين أنّ هذا الحكم لواحد من الصحابة أو التابعين أو غيرهم ، فيستدل على ذلك متبنيا هذا الحكم ، ومشعرا أنه مذهبه الذي يسير عليه.
فمثلا : عند بيان معنى (اليتيمة) في قول الله تعالى (وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتامى) [النساء : ٣] ، يقول : «الصّغيرة ، وفيه دليل على أنّ للوليّ أن يتزوّجها ، وهو مذهب عليّ». (٣) فانتصر بالآية لمذهب علي بن أبي طالب في هذه المسألة.
٢ ـ ولما كان تفسير درج الدرر ، كما أشرت ، ليس الغرض منه استنباط الأحكام الفقيهة ، كما هو شأن بعض كتب التفسير وأحكام القرآن ، فإن مؤلفه لم يسرف في ذكر الأحكام ، ولم يشغل نفسه كثيرا بتقرير المسائل الخلافية على مذهبه الذي يتبناه ، فنجد أنه لم يذكر المذهب المالكي أو الحنبلي في كل تفسيره ، فهو يتطرق إلى مذهب الإمام أبي حنيفة ، ومذهب الإمام الشافعي ، رحمهماالله تعالى ، ولم يفصّل القول في هذين المذهبين ، بل يشير إليهما إشارة بذكر قول المذهب الذي هو عليه ، والمخالف له.
ومن أمثلة ذلك ما جاء في تفسيره قول الله تعالى : (ذلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمانِكُمْ) [المائدة : ٨٩] ، إذ يقول : «ولا يجوز التكفير قبل الحنث ، خلافا للشافعي رحمهالله». (٤)
وكذلك يقول في الآية نفسها عند ما يتحدث عن الإطعام يكون لكل مسكين نصف صاع من برّ ، أو صاع من تمر ، أو صاع من شعير : «وإن غدّاهم وعشّاهم جاز خلافا للشافعي ، وإن أطعم واحدا عشرة أيام جاز ، خلافا للشافعي ، ويجوز دفع القيمة خلافا له». (٥)
ففي هذا المثال بيّن المؤلف رحمهالله أن هناك رأيين : أحدهما المذهب الذي يتبناه ، وهو رأي مذهب أبي حنيفة ، الذي يخالف رأي الإمام الشافعي رحمهالله تعالى ، وجاء به مختصرا من غير تفصيلات دقيقة ، وأيضا لم يأت برأي المذاهب الأخرى ، كما ذكر.
__________________
(١) الأصل (٨٦ و).
(٢) درج الدرر ٣٠٥.
(٣) نسخة الأسكوريال (٧١).
(٤) الأصل (٩٨ ظ).
(٥) الأصل (٩٨ ظ).