فغضب النجاشيّ ، فقال : لا (١) هايم الله ، إذا لا أسلّمهم إليهم ، (٣٠٧ و) ولا أكاد حتى أدعوهم ، فإنّهم جيراني ، وأسألهم ما يقول هذان في أمرهم ، فإن كان كما يقولون أسلمتهم ، وإن كان غير ذلك منعتهم ، وأحسنت جوارهم ما جاوروني ، ثمّ أرسل إلى أصحاب النبيّ عليهالسلام ، فدعاهم ، وقد جمع أساقفته ، فنشروا مصاحفهم حوله ، فلمّا جاءهم رسوله يدعوهم احتمطوا ، فقال بعضهم لبعض : ما نقول للرجل؟ قالوا : نقول والله ما علمنا وما أمرنا به ، كائن ما هو كائن ، فلمّا جاؤوه قال : ما هذا الدين الذي فارقتم منه (٢) قومكم ، ولم تدخلوا في ديني ، ولا في أحد من أهل الملل (٣) ، قالت : وقد كانوا قدّموا جعفر بن أبي طالب يكلّمه ، فكان الذي ولي كلامه ، فقال : أيّها الملك ، إنّا كنّا قوما أهل جاهلية ، نعبد الأصنام ، ونأكل الميتة ، ونأتي الفواحش ، ونستقسم بالأزلام ، فكنّا على ذلك حتى بعث الله (٤) إلينا رسولا منّا نعرف نسبه وصدقه وأمانته وعفافه (٥) ، قال النجاشيّ : من أيّكم هو؟ قال جعفر : هو ابن عمّي أخي أبي ، ثمّ دعانا إلى الله لنوحّده ونعبده ، ولا نشرك به شيئا ، ونخلع ما كنّا نعبد نحن وآباؤنا من دونه ، وأمرنا بالصلاة والصدقة (٦) والصدق ، والوفاء بالعهد ، وأداء الأمانة ، وصلة الرحم ، فآمنّا به ، واتّبعناه على ما جاء به من عند الله ، وعبدنا الله وحده لا شريك له ، وحرّمنا ما حرّم الله علينا ، وأحللنا ما أحلّ الله لنا ، فعدا علينا قومنا ، فعذّبونا ، وفتنونا عن ديننا ، ليردّونا (٧) إلى عبادة الأوثان ، وأن نستحلّ ما كنّا نستحلّ من الخبائث ، فلمّا قهرونا ، وحالوا بيننا وبين ديننا (٨) خرجنا إلى بلادك ، واخترناك على من سواك ، ورغبنا في جوارك ، ورجونا أن لا نظلم عندك ، أيّها الملك (٩) ، قال : فاقرأ عليّ ، فقرأ عليه : (كهيعص) [مريم : ١] ، قالت : فبكى النجاشيّ ، والله ، حتى اخضلّ لحيته ، وبكى أساقفته حتى اخضلّوا مصاحفهم حين سمعوا ما يتلى عليهم ، قال النجاشيّ : إنّ مخرج هذا الأمر لمن المشكاة التي خرج منها أمر موسى بن عمران ، انطلقا فلا والله لا أسلّمهما إليكما ، ولا أكاد ، فخرجوا من عنده ، فقال عمرو بن العاص : والله لآتيه غدا بما
__________________
(١) أ : ألا.
(٢) ع : سنة.
(٣) ك وع : الملك.
(٤) غير موجودة في ع.
(٥) ع : عفافته.
(٦) ع : الزكاة.
(٧) الأصل وك : ليردون.
(٨) (وبين ديننا) ، ساقط من أ.
(٩) مكررة في الأصل.