لك هذه الدراهم؟ قال : خرجت بها معي عشيّة أمس أنا وأصحاب لي هاربين من دقيانوس ، وها هو ذي أصحابي ، فانطلقوا إليهم ، قال : وجاع أصحابه جوعا شديدا حين أبطأ عليهم ، فقال الملك : قد عرفت أنّك إنما ترى أنّك مجنون لأرسلك ، وما أنا بالذي أرسلك حتى تخبر من أين هذه الدراهم؟ أخبرنا بقصّتها ، فقصّ عليه أمره وأمر أصحابه ، فقال أناس من المسلمين قد أخبروا بقصتهم (١) : إنّ آباءنا قد أخبرونا أنّ فتية خرجوا بدينهم ، وهم مسلمون فرارا من دقيانوس ، وإنّا والله ما ندري لعلّه صادق ، فاركب ، فانظر لعلّه شيء أراد الله أن يظهرك عليه ، وأن يكون في ولايتك ، فركب الملك ، وركب معه الناس المسلمون (٢) والكافرون حتى انتهوا إلى الكهف ، فدخل صاحبهم ، وهم يبكون ، فأخبرهم بأمره الذي لقي ، وقال : لقد (١٩٩ و) أتاكم الملك فعانق بعضهم بعضا يبكون ، ولا يشكّون أنّه الملك الجبار الكافر الأوّل ، فدخل عليهم الملك والناس يسألونهم عن أمرهم ، وقصّوا عليهم قصّتهم ، والذي فرّوا منه ، فنظروا فإذا اللوح (٣) الرصاص الذي كتبه المسلمان فيه أسماؤهم وأسماء آبائهم ودينهم وفرارهم من دقيانوس الملك الكافر ، فقال (٤) : قوم هلكوا في زمان دقيانوس ، فأحياهم الله في زماني ، فحسبوا ذلك ، فوجدوا ثلاث مئة وتسع سنين ، فلم يبق مع الملك أحد إلا أسلم إذ رآهم ، فبينا (٥) هم إذ ماتوا ، فضرب الله على آذانهم بالنوم ، ثمّ تنازع فيه المسلمون الأول أصحاب الملك قبل أن يأتوا الكهف ، والمسلمون الذين أسلموا حين رأوهم ، فقال المسلمون الآخرون : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ) [الكهف : ٢١] ، و (قالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلى أَمْرِهِمْ) [الكهف : ٢١](٦) الملك والمسلمون الأوّلون معه : (لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِداً) [الكهف : ٢١] ، قال : فبنوا على الكهف مسجدا ، ثمّ قال الملك المسلم وأصحابه المسلمون الأوّلون : مكثوا في الكهف ثلاث مئة سنين وتسع سنين ، وقال المسلمون الآخرون : بل مكثوا كذا وكذا ، فقال المسلمون الذين مع الملك : الله أعلم بما لبثوا في الكهف ، فذلك قوله : (ثُمَّ بَعَثْناهُمْ لِنَعْلَمَ أَيُّ الْحِزْبَيْنِ أَحْصى لِما لَبِثُوا) [الكهف : ١٢] ، أيّ الفريقين أحفظ لما لبثوا. (٧) المراد بالمسلمين النصارى ، وإنّما سمّاهم ابن عباس مسلمين ؛ لأنّهم لم يكونوا يقولون
__________________
(١) الأصول المخطوطة : قصته.
(٢) أ : أنكر
(٣) ك : في اللوح.
(٤) ع : فقال الملك.
(٥) ع : فبينما.
(٦) (الملك والمسلمون الآخرون : (ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْياناً رَبُّهُمْ أَعْلَمُ)) مكرر في جميع النسخ.
(٧) ينظر : المنتظم ٢ / ١٥١ مختصرا عن ابن عباس ، وينظر : قصة أصحاب الكهف في البدء والتاريخ ٣ / ١٢٨ ، الكامل في التاريخ ١ / ٢٧٤.