سوس (١) ، وهو كتانبه بن كيقباذ ، فنزلها ، ولم ينزل بها عقبه إلى أن انتشا بخت نرسي ، وهو لهراسف ، وكان قد مرّ به يهوديّ على عهد سليمان عليهالسلام وهو صبيّ بعد يلعب بالتراب ، ويصوّر فيه ، فوقف عليه اليهودي ، وكان عالما ، فتأمّل فيما يصور ، فإذا هو يصوّر بيت المقدس ومسجده ، وشوارعه (٢) وسككه لا يغادر منها شيئا ، فقال اليهوديّ في نفسه : والله هذا هو الموعود ، ثم انتظر ساعة ، هل يدع الصبيّ هذه الصورة بحالها أم يفسدها؟ فلما تّمت الصورة ، مسح الصبيّ عليها كفّه (٣) ، فطمسها ، فتيقّن اليهوديّ أنّه هو الموعود المخرّب لبيت المقدس ، فاستخبر الصبيّ : هل له من يكفله؟ فأخبره بأنّ له أمّا وبيتا ، فانتهى اليهوديّ إلى بيته ، ونزل عندهم ضيفا ، وتحرّم بطعامهم ، ثم تشفّع إلى الصبيّ بأمّه أن يعطيه الذمّة والأمان ، وبشّره بأنّه سيملك (٤) ، ويكون شأنه كذا وكذا ، فتمكّن ذلك الحديث في قلب بخت نصر ، ودخل ذلك في دماغه ، ولم يزل ذلك همته إلى أن توفّي سليمان ، ورجع أمر بني إسرائيل إلى رحبعم بن سليمان ، وهلك كيكسرى بن سياوش بن كيقانوس (٥) ، ورجع أمر العجم إلى بخت نصر (٦) ، فلما ملك الأمر ، وانتظمت أحواله ، جمع المرازنة والجنود ، وذكّرهم ما كان من استيلاء سليمان عليهالسلام وحذّرهم من جهة رحبعم مثله ، وندبهم إلى قتاله ، وأجابوه (٧) ، فسار في مئتي (٨) ألف فارس حتى أوغل في الشام ، ولما سمع ذلك رحبعم ، وجعل من قبله (٩) (١٨٦ و) من بني إسرائيل في المسجد ، وخطب لهم خطبته (١٠) هذه : الحمد لله الذي تفرد بالعظمة ، وتوحد بالكبرياء ، وتردّى بالعزّ ، حمدا بما اصطنع إلينا من أياديه ، وأسبغ علينا من نعمه ، وأنقذنا من الهلكة والكفر ، أيّها الناس ، عليكم بتقوى الله (١١) ربّكم الذي بيده نواصيكم ، وإليه منقلبكم ، حافظوا على صالح سنّتكم ، وجاهدوا في سبيل ربّكم ، هذا عدوّكم قد أظلّكم ، فحاموا (١٢) عن دينكم ، وامنعوا بيضتكم ، وتوكّلوا على ربّكم ، أقول قولي هذا ، واستغفر الله لي ولكم. فبطروا (١٣) عمّا دعاهم إليه ، وخذلوه ، ورفضوه ،
__________________
(١) ساقطة من أ. وهي مدينة بخوزستان ، فيها قبر دانيال عليهالسلام. معجم البلدان ٣ / ٢٨٠.
(٢) أ : وشوار.
(٣) ك : بكفه.
(٤) ع : سيهلك.
(٥) هكذا في المخطوط ، وفي تاريخ الطبري ١ / ٢٥٦ : كيخسرو بن شياوخش بن كيقاوس.
(٦) ساقطة من ك. وقوله : ودخل ذلك في دماغه ... إلى بخت نصر ، ساقطة من ع.
(٧) ع : فأجابوه.
(٨) ع : مئة.
(٩) ك : تليه.
(١٠) الأصول المخطوطة : خطبة.
(١١) غير موجودة في ك.
(١٢) ع : تحاموا.
(١٣) أ : فينظروا.