يقودهم مالك بن عوف النّصري (١) ، وكان حمل مع نفسه دريد بن الصمة الجشميّ ليستعين برأيه ، وكان دريد معروفا بالبأس والنّجدة وأصالة الرّأي ، وكان قد بلغ مئة وعشرين سنة وذهب بصره ، وحمله مالك مع نفسه ، وكلّف النّاس على (٢) حمل البيوت والأثقال إلى المعركة ، فلمّا نزلوا ببعض المنازل سمع دريد جلبة وأصواتا مختلفة فسأل مالكا (٣) عنها ، فقال : هذه أصوات الصّبيان والنّساء يختلف النّاس على حمل بيوتهم إلى المعركة ليقاتلوا فيها ويحموها عن النّهب والسّلب ، قال دريد : بئس الرّأي ما رأيت يا مالك فإنّ هؤلاء يزيدون المقاتلين شغلا وخوفا وفشلا وجبنا ، فلم يلتفت مالك إلى قول دريد ، حتى إذا كان يوم اللّقاء جاء بأجفان سيوف النّاس إلى دريد وهو في الخيمة ، وقال دريد : ما هذه؟ قال : هذه أجفان السّيوف أخذتها لأكسرها إذا اشتدّ الأمر ، قال دريد (٤) : ولماذا تكسرها؟ قال : ليعلموا أنّه لا سبيل إلى غمدها وإلى الانهزام ، فضحك دريد وقال : يا مالك إنّك راعي الغنم فشأنك به ودع أمر القتال ، (١٣٨ و) أترى [إلى](٥) هؤلاء القوم لئن انهزموا ليمنعنهم (٦) كسر أجفان سيوفهم فيصبرون على القتل لمكانها.
وإنّ النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لّما خرج من مكّة استعار (٧) من صفوان بن أميّة مئة درع ، وكان صفوان مؤجلا إلى أربعة أشهر ليسلم ، ولم يسلم بعد ، فخرج مع النّبيّ صلىاللهعليهوسلم لمكان دروعه. وكان (٨) النّبيّ صلىاللهعليهوسلم في عشرة آلاف فارس ، وأمر أبا سفيان فخرج في ألفي فارس من طلقاء مكّة ، فكانوا اثني عشر ألفا ، فلمّا اقتربوا إلى العدوّ صعد (٩) عبّاس على بعض التّلول واطّلع على عسكر المسلمين وأعجبته الكثرة ونادى : يا رسول الله لن نغلب اليوم عن قلّة ، فقال رسول الله : مه يا عمّ (وَمَا النَّصْرُ إِلَّا مِنْ عِنْدِ اللهِ الْعَزِيزِ الْحَكِيمِ) [آل عمران : ١٢٦] ، فلم تمض عليهم ساعة حتى التقت الفئتان ، وكان رسول الله صلىاللهعليهوسلم يومئذ (١٠) راكبا بغلته الشّهباء ، وكان العبّاس آخذا (١١)
__________________
(١) في ك وع : النضري ، وفي ب : النضروي.
(٢) في ك : إلى.
(٣) النسخ الأربع : مالك ، والصواب ما أثبت.
(٤) بعدها في ك : قال ، وهي مقحمة.
(٥) من ب.
(٦) في ك : ليمنعهم.
(٧) في ب : استعان ، وهو تحريف.
(٨) بعدها في ب : مع ، وهي مقحمة.
(٩) في ع : وصعد ، والواو مقحمة.
(١٠) ساقطة من ك ، وبعدها في الأصل وع وب : بغلة ، بدل (بغلته).
(١١) النسخ الثلاث : آخذ ، وكذا ترد قريبا.