بلجامها وسفيان بن الحارث (١) بن عبد المطّلب آخذا بثغرها ، وعليّ يقاتل بين يدي رسول الله ، فأمر مالك بن عوف جموعه أن يحملوا على المسلمين حملة واحدة لم يقم لها المسلمون وانكشفوا عن رسول الله (٢) ، وكان كما قال الله تعالى : (ثُمَّ وَلَّيْتُمْ مُدْبِرِينَ). وإنّما ابتلوا (٣) لكلمة عبّاس وإعجابه بالكثرة ، وكما كان عبّاس أعجب بالكثرة كان كثير من النّاس أعجبوا بها ، فلم يبق مع رسول الله صلىاللهعليهوسلم إلّا عبّاس وعليّ والفضل (٤) بن عبّاس وسفيان بن الحارث بن عبد المطّلب وربيعة بن الحارث وأيمن بن عبيدة وأسامة بن زيد ورجل آخر ، وفي ذلك يقول ابن (٥) عبّاس : [من الطويل]
نصرنا رسول الله في الحرب سبعة |
|
وقد فرّ من قد فرّ منهم فأقشعوا |
وثامننا لاقى الحمام بسيفه |
|
بما مسّه في الله لا يتوجّع |
وفرح أبو سفيان بن حرب ومن معه من طلقاء مكّة فشمتوا بالمسلمين ، وقال أبو سفيان : اليوم بطل السّحر ، فقال (٦) له صفوان بن أميّة وهو كافر : فضّ الله فاك لأن يربّنا رجل من قريش خير من أن يربّنا رجل من هوازن. ثمّ أمر رسول الله صلىاللهعليهوسلم عمّه عبّاسا لينادي بالأنصار ، وكان جهوريّ الصّوت ، فقال : يا أصحاب بيعة العقبة ويا أصحاب بيعة الشّجرة ويا أصحاب سورة البقرة ، فعرفوا صوته ورجعوا إلى رسول الله صلىاللهعليهوسلم (٧). ونزل رسول الله صلىاللهعليهوسلم عن بغلته وسلّ سيفه وباشر الحرب بنفسه ، وكان يقول : (أنا النّبيّ لا كذب أنا ابن عبد المطّلب) ، فأنزل الله سكينته عليه وعليهم وأنزل جنودا لم تروها ، وهزم الكفّار بعد أن قتلوا منهم مقتلة عظيمة حتى أنّ الرّجل الواحد من المسلمين قد تولّى قتل ثلاثين ، أربعين ، خمسين نفسا من الكفّار. والتجأ مالك بن عوف إلى الطّائف مذعورا مدحورا في نفر يسير من الأشقياء ، وغنم المسلمون أموالهم ونساءهم وذراريهم ، وبلغ عدد السّبي ستّة آلاف رأس. وعثر رجل من الأنصار على دريد بن الصمة يريد قتله ، قال دريد : ومن أنت؟ فتعرّف له الرّجل ، قال (٨) دريد : أما إنّي قد أنعمت على (٩) (١٣٨ ظ) أمّهاتك وفككت من الرّقّ ثلاثا من جدّاتك قبل أن خلقت ، وسمّاهنّ له ،
__________________
(١) (بن الحارث) ساقطة من ك.
(٢) (عن رسول الله) ليس في ب.
(٣) في الأصل وع وب : ابتلوه.
(٤) في ب : والفضلين.
(٥) لعلها مقحمة ؛ لأن الشعر نسب إلى العباس بن عبد المطلب في الجليس الصالح ١ / ٣٩٧ ، ومجمع البيان ٥ / ٣٤ ـ ٣٥ ، وتفسير القرطبي ٨ / ٩٨. وأقشع القوم : تفرّقوا ، لسان العرب ٨ / ٢٧٤ (قشع).
(٦) في ب : وقال.
(٧) (ويا أصحاب سورة البقرة ... صلىاللهعليهوسلم) ليس في ب.
(٨) في ع : قيل.
(٩) في ب : منعت ، بدل (أنعمت على) ، وبعدها : وملكت ، بدل (وفككت).