وفي توجيه قوله تعالى : (وَلا تَكُونُوا أَوَّلَ كافِرٍ بِهِ) [البقرة : ٤١] ذكر رأي الفراء فقال : «وقال الفرّاء : تقديره : أوّل من كفر به» (١).
وقد يقدّم رأي الفراء ، ويوحي بضعف غيره إذ يسوقه بصيغة التمريض : قيل ، كما فعل في أثناء حديثه عن قوله تعالى : (فَقُلْنا اضْرِبُوهُ بِبَعْضِها كَذلِكَ يُحْيِ اللهُ الْمَوْتى) [البقرة : ٧٣] إذ قدّم رأي الفراء في أصل (ميّت) وبدا كأنّه يضعّف الرّأي الآخر فقال : «و (الموتى) : جمع ميّت ، وأصله عند الفرّاء : مويت ، كصريع وصرعى ، وجريح وجرحى ، فاستثقلت الكسرة على الواو والخروج من الواو إلى الياء ، فجعل ياء ، فأدغمت الياء في الياء. وقيل : أصله : ميوت» (٢).
وربّما نقل عنه أكثر من رأي في المسألة الواحدة ، كما فعل في توجيه إعراب (لا تعبدون) في قوله تعالى : (وَإِذْ أَخَذْنا مِيثاقَ بَنِي إِسْرائِيلَ لا تَعْبُدُونَ إِلَّا اللهَ) [البقرة : ٨٣] إذ قال : «وفي أحد أقوال الفرّاء أنّه خبر بمعنى النهي ، وكون الخبر بمعنى النهي ككونه بمعنى الأمر في قوله تعالى : (وَالْوالِداتُ يُرْضِعْنَ أَوْلادَهُنَ) [البقرة : ٢٣٣] ، ولهذا قرأ أبيّ : (وإذ أخذنا ميثاق بني إسرائيل لا تعبدوا إلا الله). وفي قوله الآخر : جواب القسم ، إذ الميثاق هو العهد الموثّق باليمين ، يدلّ عليه قراءة ابن مسعود : (لا نعبد) بالنون» (٣).
وفي كلامه على قوله تعالى : (وَكَتَبْنا لَهُ فِي الْأَلْواحِ) [الأعراف : ١٤٥] نقل عن الفراء «أنّها كانت لوحين ، ويجوز أن يعبّر عن الاثنين بلفظ الجماعة ، كقوله : (فَإِنْ كانَ لَهُ إِخْوَةٌ) [النّساء : ١١]» (٤).
أبو عبيدة ، معمر بن المثنى (ت ٢١٣ ه):
صاحب (مجاز القرآن). وقد نقل عنه كثيرا من الآراء في اللّغة والنّحو ، فعند حديثه عن توجيه إعراب (إذ) في قوله تعالى : (وَإِذْ قُلْنا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ) [البقرة : ٣٤] قال : «و (إذ) : صلة على قول أبي عبيدة» (٥).
وقد يردّ عليه كما فعل في أثناء عرضه الأقوال المختلفة في توجيه قوله تعالى : (وَمَنْ يَرْغَبُ عَنْ مِلَّةِ إِبْراهِيمَ إِلَّا مَنْ سَفِهَ نَفْسَهُ) [البقرة : ١٣٠] إذ قال : «وقول أبي عبيدة وأبي عبيد : إنّ
__________________
(١) درج الدرر ٤٨.
(٢) درج الدرر ٨٦.
(٣) درج الدرر ٩٥.
(٤) درج الدرر ٦٢٢.
(٥) درج الدرر ٣٧.