وفى القصة تكون حكمة شرعيتها قائمة ، والغاية منها ثابتة ، ولنذكر من ذلك قصة قابيل وهابيل ولدى آدم (١).
ولقد امتاز القرآن الكريم ، بأنه حين يعرض لموضوعاته ، يعرض لها بطريقة لم يسبق إليها ، فلا يستطيع أن يسلكها سالك ، أو أن ينتهجها ناهج. فهو فى عرضه يتخذ له أسلوبا يختص به ، أعجز الإنس والجن عن معارضته ، فتراه حين يعرض. يأتى بوجوه متعددة ، وأساليب متنوعة ، وأفانين متجددة ، يراعى المقام فى كل موقف من مواقفه ، ويطابق جميع مقتضيات الحال فى كل عبارة من عباراته ، فله فى كل مقام مقال. وفى كل موضوع مجال ، طرق فى الأداء لا عهد للبشر بها فى أبلغ كلام ، ولا مثيل لها فى أفصح بيان ، غاية فى البلاغة ، ليس لها نهاية ، ونهاية فى الفصاحة. لا يجاوز الفصحاء مبتداها. ثم هو فيما يعرضه من موضوعات شتى ، خاصة فى القصص القرآنى ، لا يهمل جانب النظر ، ولا يغضّ من شأنه ، بل يحث عليه ، ويدعو إليه ، ويتحاكم إلى العقول ، فى كشف الحق ، وبيان الصدق ، يشفع حكمه ببيان حكمته ، وتوجيه شرعته ، ثم يدع للسامع الحرية ، وحسن الاختيار ، فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر.
وإن تعجب فعجب عرضه للموضوع الواحد ، ذى المعنى المتحد ، والهدف المشترك ، فإنك تجده مع تفرّقه فى القرآن فى أماكن عدة ، ومع تباعد أوقات نزوله ، وتباين أزمان وصوله ، ليس بين آياته مفارقة ، ولا تلفيق ، ولا تشويه ، ولا تناقض ، بل هى وحدة واحدة ، مترابطة متناسقة ، تكون لنا صورة واحدة ، فى أحسن تقويم ، وتعطينا منظرا متآلفا فى أبدع تنظيم ، وتصور لنا كائنا متناسق الأعضاء ، مترابط الأجزاء ، متكامل البناء ، جيد السبك ، قوى المعنى ،
__________________
(١) سورة المائدة من ٢٧ إلى ٣١