فتضرع عيسى ابن مريم إلى الله عزوجل ، لتلبية طلبهم قائلا : ربنا .. يا مالك أمرنا ، ومتولى شئوننا ، أنزل علينا مائدة من عندك لتكون لنا مؤشرا على رضاك عنا ، ومبعث فرح وسرور ، ويوم نزولها نتخذه عيدا نجتمع فيه للعبادة والشكر ، ويعود علينا فى كل عام باليمن والإقبال ، لأولنا وجودا ، وآخرنا كذلك ، وتكون آية منك ، ودلالة وحجة ترشد القوم إلى دعوتى ، وصدق رسالتى ، وارزقنا بما به نقيم أودنا ، ونغذى أجسامنا ، فأنت خير الرازقين ، ترزق من تشاء بغير حساب.
قال الله تعالى : (إِنِّي مُنَزِّلُها عَلَيْكُمْ) وقد نزلت إذ وعده الحق ، وقوله الصدق.
فمن يكفر بعد نزول هذه الآية المقترحة ، فإنى أعذبه عذابا شديدا ، لا أعذب هذا العذاب لأحد من العالمين ، إذ اقتراح آية بعد الآيات الكثيرة ، التى نزلت ـ كهذه المائدة ـ آية يشترك فى إدراكها كل الحواس ، ثم بعد هذا يكفر بها ، فإنه يستحق من الله عذابا دونه عذاب الكفار جميعا.
هذا الجدل يراد به التعجيز ، بل إنه ليحمل معنى الشك والسخرية ، وعمى البصيرة عن إدراك معنى الألوهية ، فقد أصبحت الألوهية فى نظرهم ، مجردة عن معناها الحقيقى ، وأصبحت آية وجود الله هى أن ينزّل مائدة من السماء إن استطاع ، وأصبح اطمئنانهم وعلمهم بصدق دعوة الإيمان ، وشهادتهم بذلك ، متوقفة على نزول هذه المائدة من السماء.
كان هذا إحراج لنبى الله عيسى ـ عليهالسلام ـ كان يدعوهم إلى ما هو أسمى من ذلك وأعظم ، ومع ذلك استجاب عيسى لإلحاحهم عساه يبلغ من نفوسهم ما يريد ، فطلب من الله أن ينزل هذه المائدة ، حتى تكون عيدا وآية فى نفس الوقت.